أنا سالم منتصر , عدت إليكم مع مغامرة جديدة مع ثلاثة شركاء في مطعم للوجبات السريعة
ذهبت للقاء أحد هؤلاء الثلاثة لكي يحكي لي قصته , والتي سمعت عنها وأردت أن أكتب مقالاً عنها في الصحيفة التي أعمل بها .
وأحببتُ أن أُشاركها معكم قبل ذلك , وكالعادة سأتحدث معكم مباشرة و بدون مقدمات .
ذهبت للقاء شاكر ماجد , وهو أحد الشركاء لهذا المطعم , وطلبت منه أن يقص لي رحلتهم سوياً من البداية .
وسألته :- قبل أي تفاصيل قَدِمْ لنا نفسك أنت وشُركائك حتى يعلم القُراء من أنتم وما هي مؤهلاتكم ؟
فقال لي :- لقد كُنَّا ثلاثة أصدقاء , كلٌ منَّا يعمل في مجال مختلف عن الآخرين .
الأول وهو أحمد , كان يعمل بشركة للدعاية والإعلان , تخرج من كلية الإعلام , وعمل بهذا المجال لعدة سنوات , ولديه خبرة كبيرة بهذا المجال .
أمَّا الثاني فهو ممدوح , وكان يعمل مُحاسباً في أحد المطاعم لعدة سنوات , فهو خريج كلية التجارة وبدأ العمل كمحاسب زبائِن , وهو مانطلق عليه اسم ( كاشير ) ثم بعدها أصبح المحاسب العام للمطعم .
أمَّا أنا عادل فقد اكتفيت بدراسة الثانوية العامة , رُغم حصولي على أعلى الدرجات التي تؤهلني لدخول أي كلية أُريد , لكن ظروف عائلتي لم تسمح , وقد كُنت حينها المُعيل لأسرتي بعد وفاة والدي , وعملت بالعديد من المطاعم الخاصة بالوجبات السريعة حتى أصبحت طاهياً مُحترفاً .
فسألته كيف جاءتكم فكرة المطعم ؟
ومن صاحب فكرة إنشاء المطعم ؟
كيف جاءت فكرة المطعم
فأجابني فكرة المطعم كانت فكرتي , لأنني الوحيد الذي كُنت أعمل بهذا المجال , وأعرف كيفية الربح منه , وأعلم كم يربح .
لكن كان ينقصني المال والخبرة الإدارية والحسابات , فقد كُنت مُتمرساً ومُتفرغاً للطهي فقط .
وقد تحدثت مع ممدوح بصفته مُحاسباً , واتفقت معه على المشاركة لا العمل عندي , حيث أعلم أنَّ لديه بعض الأموال .
صحيح أنَّ ما معي من أموال وما معه لا يكفي لكن يُمكننا البدء بهذا القدر .
ولكن ممدوح كان رافضاً للفكرة تماماً .
فسألته :- لماذا كان يرفض في البداية ؟
فأجابني بأنِّ ممدوح قد تنقل في العديد من الشركات , وقد استقر أخيراً في شركته الحالية , والتي كانت مكانته المالية والإدارية بها مرموقة , فكانت فكرة التخلي عن هذه المكانة أمرٌ صعب .
فمن هنا جاءت فكرة المطعم ,وأنا من تحدثت مع ممدوح .
فسألته :- وأين كان شريككم الثالث أحمد صاحب الدعاية والإعلان ؟
فأجابني :- أحمد هو من أقنع ممدوح بهذا المشروع , فرُغم صداقتي معه إلا أنني لم أُحدثه في أمر المطعم .
سألته :- كيف أخبرت أحمد وكيف أقنع ممدوح ؟
واسمح لي أيضاً أن أسألك , لماذا لم تتحدث معه في البداية رُغم معرفتي بأنَّه أغنى منكم أنتم الإثنين ؟!!
فأجابني وهو يضحك من سؤالي الثاني :- نعم كنت أعلم أنه أغنى شخص مادياً , لكنني كنت أرى عمله في الدعاية لن يُفيد , فلم أكن أعرف حينها قيمة الدعاية , حتى إنَّني كنت أمزح معه وأقول بأنَّ عمله هو تجارة الهواء .
كنت أرى مجال الدعاية والإعلان بطريقة خاطئة .
أمَّا عن إخباري لأحمد , ففي الحقيقة لم أُخبره بشيئ , فممدوح هو الذي أخبره .
وفيما بعد عرفت أنَّ إخبار أحمد جاء عن طريق ممدوح الذي كان يشكو لأحمد مني ومن إلحاحي عليه لمشاركتي .
وقاطعه أحمد أثناء شكواه له قائلاً :- ولماذا لا توافق ؟!!
إنَّ هذا المشروع مُربح جداً , وإنَّ عادل له خبرة جيدة في هذا المجال .
وسوف نستغل عمله كطاهي ونربح الكثير من الأموال , ونحن ستكون لنا الأعمال الإدارية وهو سيكون العامل والطاهي المُشرف على باقي الطُهاة .
فابتسمت وقلت له :- كانو يُريدون إستغلالك ؟!!
فأجابني :- لقد علمت بهذه المُخططات فيما بعد بالصُدفة , ولكنَّني لم أكُن أُفكر حينها إلَّإ في إنشاء المطعم وحسب .
فقلت له :- إذاً تم افتتاح المطعم وحقق أرباحاً كثيرة , فلماذا تم الانفصال وفض الشراكة بينكم ؟!!!
فأجابني :- يبدو أنَّهم اعتقدو بأنَّهم ستكون لهم الإدارة والكلمة العُليا
بداية الخلافات
فقد حدثت الخِلافات أولاً على توزيع المهام الإدارية .
فقاطعته :- أي خلافات إدارية وكل واحد منكم مسؤول عن عمل محدد , أنت للعمال والطُهاة , وأحمد للدعاية والإعلان , وممدوح للحسابات ؟!!
فأجابني بأنَّ الخلافات ليست حول توزيع الأدوار كما قُلت حرفياً , بل في الحقيقة كانت حول التأثير على العمال والموظفين ومن له الكلمة العُليا .
ثُمَّ بعد عدم جدوى الاستغناء عن قراراتي على العُمال بصفتي الطاهي وعِلْمي بكيفية إرضاء الزبائن , باعتبار أنَّني صاحب التأثير الأقوى على المطعم , لأنني الطاهي , وبُضاعتنا هي الطعام الذي أُشرف على طهيه بنفسي .
حينها ظهرت أيضا مشاكل حول توزيع الأرباح بيننا
فسألته كيف كانت الخلافات تحديدا حول توزيع الأرباح ؟!
فأجابني :- لا أُريد أن أدخل في هذا الحوار بالتحديد , لما فيه من حساسيات وكشف للأحداث التي تمت بيننا .
لكن كل ما أستطيع قوله , أنَّ كل شخص حاول إثبات أنَّهُ الأهم من الآخرين , وعليه فإنه يستحق أرباح أكثر .
أيهما الأحق بزيادة الأرباح
فقاطعته :- هل لي أن أسأل كيف تم خلق هذه الفكرة بالتحديد؟
فأجابني وهو يضحك :- أنت تسألني بطريقة ماكرة , والحقيقة أنَّك تُريد أن تقول , من أول من تحدث عن أهميته في المطعم .
فضحكتُ أنا أيضاً لأنه مُحِقٌ في ذلك.
ثم قال لي :- في الحقيقة أنا من بدأت هذا الأمر .
ورُغم توقعي حدوث هذا منه , إلا أنني سألته :- لماذا فكرت في هذا الأمر ؟!!
قال لي بمنتهى الوضوح :- لسببين وهما :-
السبب الأول :- أنَّني كُنت أرى نفسي الأحق بزيادة الأرباح بسبب عملي الشاق , فكنت أعمل عاملاً مع الطُهاة والعمال بخلاف الإشراف عليهم
أما المُحاسب فكنت أرى أهميته , لكن ليس لدرجة أن يتساوى معي في الأرباح .
أمَّا الدعاية والإعلان فلم أكن أعترف بها من البداية , وقد وافقت على إنضمام أحمد بسبب أنه يملك المال .
السبب الثاني :- أنَّني كنت أشعر بنوعٍ من الإتفاق بينهما ضدي , فقد كنت أراهم دائماً فريق ضدي , وكانت لي أسبابي التي جعلتني أرى فيهم هذا , أهم هذه الأسباب هي رغم كوني الغير مُتعلم مثلهم إلا أن مكانتي أقوى منهم في المطعم بحسب خبرتي في هذا المجال .
فاجأتني صراحته كثيراً , ولكنني قلت له :- في النهاية تم فض الشراكة .
فقال :- نعم لأنَّ الأمر لم يكن يُحتمل في هذه الأجواء , وقد تأثر المطعم بهذه الخلافات كثيراً .
سألته :- لماذا احتفظت أنت بالمطعم وهم اكتفو بأخذ حصصهم من أسهم وأرباح المطعم ؟
فضحك وهو يُجيبني قائلاً :- لقد كنت أنتظر مشاكل كثيرة جداً في هذه النقطة بالتحديد , وهي من يحتفظ بالمطعم والعلامة التجارية .
ولكنني فوجئت بطلبهم إستلام أسهمهم في المطعم مُقابل ترك المطعم لي وترك العلامة التجارية .
فسألته :- مالذي دفعهم لفعل هذا الأمر في إعتقادك ؟!!!
فأجابني :- لقد كان هدفي منذ سنوات هو إنشاء مطعم , وكنت سأفعل كل ماهو مُتاح لي من أجل الحفاظ عليه , وإدارته .
لذلك لم أهتم إلا بإستلامي للمطعم الذي خططت له لسنوات .
فسألته :- هل صحيحٌ ما يُقال بأنَّهم اعتقدو أنَّ المطعم بعد تركهم له سوف ينهار , فأرادو ضمان أموالهم ليأخذوها منك , ثُم يورطونك في خسارة الأموال التي تدفعها لهم , ثم خسارة المطعم بعدها ؟
فأجابني :- لا أعلم , وقد كان تفكيري مُنصباً حول الحفاظ على المطعم.
فسألته :- ولكن ما يؤكد صحة كلامي , أنَّ كل شخص منهم افتتح مطعماً خاصاً به .
فأجابني :- لا أعلم , ولم أُشغل ذهني بهذه الأمور , وإن صح كلامك لافتتحو مطعماً مُشتركاً , ولكن كل شخص افتتح مطعماً خاصاَ به .
فسألته :- وماذا فعلت عندما علمت بافتتاح كل شخص مطعم خاص به ؟!!
فأجابني :- رغم أنَّ هذا الأمر سبب صدمة كبيرة لي , وما زادها سوءا أنَّها جاءت من الأصدقاء الشُركاء , إلَّا أنني التزمت بنصيحة زوجتي لي حين قالت :- لاتُشغل عقلك إلَّإ بنجاح مطعمك خضوصاً أنَّ مسؤلياتك زادت عليك بعد فض الشراكة .
فقلت له :- هذه نصيحة حكيمة من زوجة حكيمة , فقد ساهمت بشكل كبير في نجاحك بأبسط الأشياء .
فقال لي :- نعم , فللكلمات سحرٌ خاص على نجاح أو فشل المرء .
فسألته :- كيف كانت أوضاع المطعم بعد إنفرادك بالإدارة ؟!!!
فأجابني :- الوضع كان سيئاً جداً .
قمت بتعيين موظفين ومُحاسب , لكنني واجهتُ مشكلتين :-
الأولى :- لم أكن أعلم بقيمة وجود شركائي السابقين في المطعم , فقد كان وجود محاسب كفء ومُعلِن كُفء عامل مُهم جداِ في نجاح المطعم , خصوصاً أنَّهم كانو متميزين في عملهم سواء الدعاية والإعلان أو الحسابات.
ثانياً :- عندما فهمت مؤخراً قيمة وأهمية الدعاية والإعلان قمت بتوظيف موظب مُتخصص بهذا المجال بجانب المحاسب , واكتشفت أنَّ نتائج العمل تختلف تماما بين أن يكون لديك شريك أو يكون لديك موظف .
فقلت له :- بالطبع الشريك سيكون أكثر حرصاً على العمل من الموظف .
وقلت له :- كنت أنتظر أن أستفسر منك عن رؤيتك للدعاية والإعلان وحديثك عن عدم أهمية شريكك أحمد لأنه رجل دعاية , ولكنك أجبتني بنفسك .
فقال لي :- لم أكن أرى أهمية كبيرة للدعاية والإعلان , واعتقدت بأنَّ تفوقي في العمل هو ما ينفعني , ولكني أعترف بخطأي , واعترف بأنني كنت مخطئاً في هذه النقطة .
بداية حل الأزمات
سألته :- لنعود إلى حوارنا وأسألك كيف عالجت هذه المشاكل ؟
فقال لي :- بخصوص الدعاية والإعلان تعاقدت مع شركة كبيرة من أجل الدعاية والإعلان .
ووظفت خمسة محاسبين ومراجعين لإدارة المطعم , وتم تكليف كل واحد بعمل محدد .
سألته :- وفي رأيك لماذا أغلق شُركائك مطاعمهم بعد إفتتاحها ؟!!
فأجابني :- لا أعلم أسباباً مؤكدة , هذه أرزاق الله لكل شخص .
فقلت له :- أنا أُجري هذا الحوار من أجل القُراء , وعليك أن تكون كريماً معهم بالإجابة على سؤالي الأخير , وأنت تعلم مغزى سؤالي هذا .
تنهد وابتسم قليلاً ثم أجاب قائلا:- لعل أموراً كثيرة أدت بهم إلى غلق مطاعمهم .
لكن من أجل السادة القُراء أقول أن أهم الأسباب هي الخبرة , فلم تكن لديهم خبرة كبيرة كما كانت لدي في مجال المطاعم , ولو أنَّ كل شخص فيهم إستغل مهاراته وخبراته لأصبحا من كبار رجال الأعمال , فأحدهما كان مُحاسباً عبقرياً , والآخر عبقري دعاية وإعلان .
كما أعتقد أنَّ جُمودهم الفكري كان من أحد هذه الأسباب .
فقلت له :- ماذا تُعني بجمودهم الفكري ؟!
فقال :- لقد تعرضت لصدمة عدم الاكتفاء , فلقد ظهرت لي نقاط ضعف رغم تفوقي كطاهي .
فقد اعتقدت أنِّ المطعم ليس إلا طُهاة فقط , ولكنني فوجئت بهذا النقص الذي خَلَّفوه في مجال الحسابات والدعاية .
ولكنني لم استسلم لهذه النقاط وقررت التنازل عن الكثير من أرباحي من أجل تعاقد مع شركة للدعاية ومن أجل توظيف عدد من الموظفين لسد العجز .
وهذه كانت مرونة مني ؛ أما هم فلم يقدمو أي تنازلات عن أرباحهم أو حتى أفكارهم ‘ وهذا هوالجمود الذي كان من أسباب الإغلاق .
فقلت له :- أنت اعترفت بوجود المشكلتين , وعالجتهما , بخلاف شركائك الذين لم يعترفو بعجز طاهي ذو خبرة مثلك .
فقال لي :- وأيضاً كل واحد عانى من عجزين , فأحمد عانى من عجز الحسابات والطهاة , وممدوح عانى من عجز الدعاية والطُهاة , وأنا بالطبع عانيت من عجز الحسابات والدعاية .
فقلت له :- الإتحاد قوة
فقال :- الإتحاد قوة إن كان فيه تكامل , كل شخص في مكانه المُناسب , أمَّإ إتحاد بدون كمال , ليس له قيمة .
قلت له :- في نهاية الحوار , ماذا تقول للقراء ؟!!
فأجاب :- أقول إنَّ التعليم أمرٌ ضروري جداً , لكن تجارب الحياة هي علمٌ أصعب , لكنه أنفع .
إنتهى الحوار
إلى اللقاء في مغامرة جديدة إن شاء الله
انس النجار