بعض الناس لا يعرفون أنَّ أي إنسان لديه مُخان وليس مُخاً واحداً , أو كما يطلق عليهما علماء النفس باسم العقل الواعي والعقل الباطن .
وقبل الحديث عن هذا الأمر أريد أن أتحدث عن الذكاء والنجاح .
هل الذكاء ضروري جدا من أجل النجاح ؟!!!
لا تُفكر كثيراً , فالإجابة هي لا
الذكاء ليس شرطاً للنجاح .
ولكن ماهو الذكاء ؟!!
هل هناك شخص ذكي وشخص غبي ؟!
كما تحدثت في مقالات سابقة فإنَّ الإجابة هي لا بالطبع , فإنَّ الذكاء يعتمد على إستخدامك لعقلك, ولن أخوض في نقطة الذكاء هذه فقد تحدثت عنها .
ولنُجيب عن علاقة الذكاء بالنجاح , ولنذكر بعض الأمثلة :-
توماس أديسون
توماس أديسون وهو المخترع المشهور كان يرفض مدحه بالذكاء الحاد والعبقرية , فلقد كان يرى نفسه أنَّه ليس بالعبقرية التي يعتقدها الجميع , بل كان يقول إنَّ نجاحاتي سببها الإصرار على تنفيذ أفكاري والبحث والدراسة المتواصلة , والتجربة المُستمرة .
فقد أقر بأنَّ إختراعاته كانت تتعرض لمحاولات فشل كثيرة جداً .
لكن باعتقاده هو , فإنَّه في كل مُحاولة فاشلة فإنَّهُ يقوم بدراسة أسباب الفشل وتطوير مشروعه ويستمر على ذلك حتى يُحقق نجاحه .
فالأمر ليس بالذكاء من وجهة نظر توماس أديسون .
جون كنيدي
شخصية أخرى أيضاً لها علاقة بموضوع الذكاء والنجاح , إنَّهُ الرئيس الأمريكي جون كنيدي , وهو أحد أفضل ١٠٠ شخصية في التاريخ بحسب كتاب الخالدون المائة .
فرغم إعتراف الجميع بأنَّهُ لم يكن حاد الذكاء بل ذكاءه كان طبيعياً جداً بحسب الدراسات العلمية , إلَّا أنه من أهم الشخصيات التاريخية , وكان يمتع بقدرة على القراءة السريعة , وقد تحدث عنه الكثير من الكُتاب , وستناول الحديث عن القراءة التصويرية والقراءة السريعة في مقالات قادمة بإذن الله وتوفيقه .
إذاً النجاح لا يُعني أن يكون الشخص شديد الذكاء , بل الإصرار والتخطيط والدراسة والممارسة الطويلة لهدفك , وتخطي العقبات التي تواجهك .
روجر سبيري
ولنعُدْ إلى تقسيم العقل أو المُخ إلى قسمين , فتجدر الإشارة أولاً إلى فوز عالم الأعصاب الأمريكي ( روجر سبيري ) بجائزة نوبل عام ١٩٨١ لاكتشافه أنَّ المُخ البشري مُقَسَّم إلى قسمين .
كل قسم منهم مُختص بعمل معين يختلف عن عمل الآخر , وكأنهما عضوين مختلفين .
فالجانب الأيسر أو الفص الأيسر من المُخ ( العقل الواعي ) يتولى السيطرة على مهارات اللغة والحساب , أو معرفة الأعداد , أو تحليل الأمور .
وأما الجانب الأيمن أو الفص الأيمن ( العقل الباطن ) فهو المُسيطر على التخيُل والابتكار, ويُسيطر على التفرقة بين الألوان , وهو المسؤول عن المشاعر وأحلام اليقظة .
وتوجد ثقافة مُنتشرة بين الناس تدعو إلى الإحكام للمنطق في كافة الأمور , والابتعاد عن التخيلات وأحلام اليقظة , وهذه الثقافة خاطئة تماماً .
كما أنَّ هُناك من يعيشون حياتهم كاملة في أحلام اليقظة , ويشتكون من فشلهم في حياتهم .
فالأمر هو الموازنة بينهما , فإنَّ العبقرية قائمة على التوازن بين الإبداع وبين المنطق والتحليل , بمعنى الموازنة بين الفص الأيمن والأيسر .
فإنِّ عظمة وإنجازات العلماء قائمة على التوازن بين العقل الواعي والباطن أي الأيمن والأيسر .
ليوناردو دافنشي
وعلى سبيل المثال ( ليوناردو دافنشي ) فقد كان من أشهر الشخصيات التي إستخدمت الفصين بتوازن مما جعله يُبدع ويتفوق في العديد من المجالات , وعلى سبيل المثال مجال التشريح , فقد كان بجانب شهرته كرسام فقد كانت له العديد من الأبحاث والرسومات حول التشريح , فكان يستخدم جانبه الأيمن ( العقل الباطن ) في تخيل الأعضاء التي يقوم بتشريحها , ثم يستخدم الجانب الأيسر ( العقل الواعي ) في دراسة وتحليل هذه الأعضاء .
وهُناك أمثلة كثيرة من الشخصيات الإسلامية , فإنَّ من أعظم أسباب عظمة المُسلمين الأوائل , هي قدراتهم على التخيل للجنة والنار ونعيم الآخرة , وربط ذلك بتنفيذ الأحكام الشرعية للنجاة من النار .
كما أنَّ تطبيق الأحكام الفقهية في الصلاة مثلاً يُساهم بشكل كبير جداً في خلق التوازن بين الإبداع والتخيل أي بين الجانب الأيمن والأيسر .
الخاتمة
فإذا كنت تبحث عن أفضل طريقة لخلق التوازن بين العقل الواعي والباطن فيكفيك فقط الصلاة أو قراءة القرآن .
فإنَّ تدبر معاني القرآن الكريم تُنمي ملكة التخيل (العقل الباطن ) من خلال تصور القصص والأحداث المذكورة في الآيات الكريمة , ويُنمي أيضاً ملكة الإبداع ( العقل الواعي ) من خلال مُحاولة فهم الآيات , والتوقف عند بعض الآيات من أجل مُحاولة إدراك معانيها .
فإذا كنت تبحث عن إطلاق العنان لعقلك واستخدامه أفضل إستخدام , وإذا كنت تريد إنجاز النجاحات العظيمة مثل العظماء والناجحين , فإنك تستطيع ذلك عن طريق خلق هذا التوازن بين العقل الواعي والعقل الباطن .
عليك أن تنمي قدراتك على التخيل لأهدافك وترسم أهدافك بخيالك وأحلام اليقظة لديك , ثم بعد إتمام الصورة الكاملة لهدفك في خيالك لا تعتكف على الخيال فقط , بل إنتقل إلى المرحلة التالية وهي البحث والدراسة والتفكير الإبداعي لتنفيذ الفكرة العالقة في خيالك .
إبدأ بالتدريب من الآن على هذا التوازن , وأمامك كنز عظيم قم باستغلاله جيدا , إنه قراءة القرآن الكريم بتدبر والوقوف على معانيه , والخشوع والتركيز في صلاتك , فبجانب الفضل العظيم الذي ستناله في الآخرة إلا أنك ستنال الفائدة العظيمة على عمل دماغك
انس النجار
إلى اللقاء في مقالات قادمة بإذن الله وتوفيقه في مدونة إستيقظ