جميعنا نتعرض لصدمات كثيرة في الحياة , ومن أكثر الصدمات التي تهزنا وتُحطم آمالنا هي أن نصل لنهاية تحقيق أحلامنا وقد أصابتنا الخيبة والفشل .
بمعنى أننا نجتهد ونسعى لتحقيق حلم ما , ثم في النهاية نجد أن هذا الحلم قد تحول إلى وحش كبير يفترس حياتنا ويُنهي آمالنا .
أخبرني عزيزي القارئ ماذا ستفعل لو أنك قررت بيع كل ممتلكاتك من أجل شراء قطعة أرض للزراعة , ثم بعد شراء هذه الأرض تأتيك الصدمة بأنَّ هذه الأرض غير صالحة للزراعة , فعلى الرُغم من خبرتك الزراعية , إلا أنك بعد الشراء أُصيبت الأرض بشيئ يمنعها من الزراعة مُستقبلاً , ولأنك قمت ببيع كل ممتلكاتك من أجل شراء هذه الأرض وزراعتها , لتُحقق حلمك بإنشاء مزرعة للفواكه , فقد أصبحت ضائعاً حرفياً .
بالطبع ستقول أنك ستبيعها حتى ولو بخسارة بسيطة , لكن من يُريد أن يقوم بحرث وزراعة أرض , لن يقبل بشراء هذه الأرض , وذلك لِما أصابها .
ماذا لو تعرضت لموقف مشابه ؟!!
أعلم أن الأفكار السوداء كثيرة الآن في عقلك .
لكن لا تجبني الآن , ودعني أروي لك قصة واقعية شبيهة بهذا الموقف .
المزارع الهولندي
مُزارع هولندي إسمه فان كلويفرت , قرر الهجرة إلى جنوب أفريقيا من أجل مستقبل أفضل له ولعائلته , حيث قرر أن يشتري أرضاً ضخمة لزراعتها وتحويلها إلى مزرعة كبيرة للفواكه , واختار جنوب أفريقيا نظراً لتوافر المساحات الكبيرة وبأسعار أقل بكثير من هولندا , ومن أجل تحقيق هذا الحلم قام ببيع جميع ممتلكاته في هولندا من أجل شراء الأرض والاستقرار في جنوب أفريقيا , وبالفعل إختار أرضاً كبيرة , دفع فيها أغلب أمواله , وترك القليل من الأموال من أجل الإنفاق على عائلته , وأيضاً من أجل الإنفاق على الأرض .
ولكن لقلة خبرته بطبيعة الأراضي الأفريقية وخصوصا جنوب أفريقيا , صُدِمَ بعد إكتشافه أنَّ هذه الأرض مليئة بالعقارب السامة والثعابين , وهذا يجعل من زراعة الأرض أمراً مُستحيلاً .
حاول هذا المُزارع أن يستعيد أمواله من البائع , لكن البائع رفض التراجع عن البيع .
فأُصيب المُزارع بحالة إكتئابٍ حاد .
تحويل الأزمة إلى نجاح
ولكن بعد فترة قرر تصفية ذهنه من كل الأفكار السلبية التي أحاطته , بعدما أيقن أن لا مَفَرَ من هذه الأرض , وأنها أصبحت أمراً واقعياً أمامه , وأصبحت عودته إلى هولندا مستحيلة , فهو لم يعد يملك مايكفي من المال أو منزل أو عمل هناك .
فَفَكَرَ في إستغلال هذا الموقف لصالحه , حيث فكر بأنه يستطيع أن يستفيد من الوضع القائم .
فقد قرر تحويل هذه الأرض إلى مزرعة للعقارب والثعابين السامة .
نعم عزيزي القارئ كما قرأت , فقد كان لديه ثقافة بسيطة حول مضادات السموم .
فكان يقرأ في هذا الأمر كثيراً أثناء دراسته ومعيشته في هولندا , وكان هذا مصدر إلهام له .
حيث صنع سياجاً في قطعةٍ صغيرة من الأرض , وتجميع العقارب في منطقة والثعابين في منطقة أخرى ليفصل بينهما , وقرر الاستعانة ببعض الأهالي هناك بسبب خبرتهم بالتعامل معهم , وقسَّمهما إلى أنواعٍ مختلفة حيث أبقى كل نوع في عنبرٍ خاص به , ويُطعمهم ويهتم بهم , ثم بعد فترة أرسل إلى شركات الأدوية التي يعرفها في هولندا من أجل الحضور لمزرعته واستخراج السموم منها , لصناعة أدوية مضادات السموم , وبعض الأدوية الأخرى , وأيضاً من أجل الدراسة والبحث لأنواع السموم .
وبعد نجاح الأمر قرر إستغلال مساحة أكبر من الأرض لصناعة السياج والعنابر من أجل توسيع المزرعة , وماهي إلا أعوام بسيطة حتى تحولت مزرعته إلى أكبر مَصْدَرْ لِلقاحات السموم في العالم .
وأصبحت صور هذا المُزارع تُزَّين المجلات العلمية والصحافية .
وبالطبع جَمع ملايين الدولارات من هذا المشروع الضخم .
لا تستسلم للأزمات
هذا المُزارع عزيزي القارئ لم يستسلم لليأس والإحباط , بل فَكَّر بحكمة بعد وقوعه في هذه الكارثة .
أشخاص آخرين قد يقعون في مِحنٍ كثيرة , ولكنهم ينظرون إلى نصف كوب الماء .
كوب الماء إذا كان مُمتلئ ربعه , فإنَّ الغالبية العُظمى من الناس ينظرون إلى الثلاثة أرباع الفارغة , ويتركون الرُبع المُمتلئ , وهذه هي الرؤية الخاطئة للأمور .
عليك أن تنظر إلى ماتملكه الآن , وتُحاول أن تستفيد منه جيداً وتجعله بداية للانطلاق من جديد .
فإذا نظرت إلى الثلاثة أرباع الفارغة , فلن تفعل شيئاً سوى الحسرة والحزن على الفقدان , رُغم أنك لو حَرَّكتَ عينيك للأسفل ملليمترات ستجد رُبع الكوب مُمتلئ , لكن الطبيعة البشرية دائماً ماتنظر إلى المفقود , ولا تنتبه لما هو مُتاح , هذه فطرة بشرية .
لكن النجاح الكبير ليس من الفطرة أو العادة البشرية , بل يجب بَذل الكثير من المجهود الفكري لتغيير الواقع , ورؤية العديد من الرؤى الصحيحة .
لذا وَجَبَ عليك
أولاً :- أن تُغير من طريقة تفكيرك ونظرتك للأمور كافة .
وثانياً :- لا تستسلم لمحنتك أو أزماتك , بل عليك أن تُجاهد نفسك على عدم اليأس والإستسلام .
ثالثاً :- إستفد من التجربة حتى لاتتكرر مرة أخرى .
رابعاٍ :- إبحث عن الحلول بدلاً من الأحزان والحسرة على ما حدث .
خامساً :- حَوِّل محنتك إلى مِنحة , إستخدم أزماتك واجعلها بداية نجاح حقيقي , كما فعل المُزارع الهولندي .
سادساً :- إعلم أن في كل محنة توجد منحة عظيمة , عليك فقط أن تبحث عنها في كل محنة تأتيك , وأعلم أنَّ الله تعالى لا يبتليك بشيئ إلا وفيه خير عظيم , فعليك أن تحمد الله تعالى وأن تبحث عن الأمل في كل إبتلاء .
ختاما
أسمعك الآن وأنت تقول أن هناك خسائر نتعرض لها لا يُمكن تعويضها , كوفاة الأحباء والأصدقاء , وغير ذلك من الأمور التي يصعب تعويضها .
وأجيبك بأنني قلت أن كل إبتلاء من الله لك هو خير عظيم , فكل ابتلاء تتعرض له في حياتك عليك أن تسعى لجعله أفضل , فإن لم تستطع فاعلم بأن الله أراد لك الخير في هذا الابتلاء , وسوف تسجد لله سعادة بعد سنوات على هذا الإبتلاء , فكثيراً ما نحزن على أمر ما , وبعد سنوات نكتشف أنه سبباً في خير عظيم لك .
فلو ظَلَّ سيدنا يوسف عليه السلام طِفلاً مُدللاً من أبيه ومن الجميع , ولو لم يدخل السجن , لِما أصبح عزيز مصر ومُنقِذِ الأرض في سنوات القحط .
وإن لم ترى عِوَضاً في الدنيا لابتلائاتك , فاعلم أنك إن صبرت فسوف ترى عظيم مكافأة الله لك في الآخرة .
وما أحسن حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين قال { عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كله له خير , وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن , إن أصابته سراء شكر فكان خير له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له }
انس النجار
جميل جدا احسنت 💐💐