لا تجعل أحلامكَ بسيطة مهما كانت ظروفك , ولا تسمح لأحد بأنْ يجعلك تتنازل عن قمة أحلامك .
قد تسمع أحدهُم يقولُ لك ( إحلم على قدر إستطاعتك ) أو يقول ( إحلم على قدر إمكانياتك)
لا تستمع لهؤلاء عزيزي القارئ , فإنَّهم وبحسن نيةٍ منهم يقتلونك معنوياً ونفسياً وفكرياً .
هذه الكلمات خاطئة تماماً , فإمكانياتك أنت من يصنعها ويُطوِرُها , وأحلامك يجب أن تكون في القمة دائماً وأبداً .
قيمة الأهداف في الإسلام
دعني أولاً أذكر لك هذا الحديث الشريف الذي أخرجهُ البُخاري ومُسلمٌ في صحيحيهِما , عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
{ إذا سألتُمُ اللهَ فاسْأَلوهُ الفِرْدَوسَ , فإِنَّهُ وسَطُ الجَنَّةِ , وأَعلى الجَنَّةِ , وفَوقَهُ عَرشُ الرَّحمنِ , ومِنهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ }
فالرسول ( صلى الله عليه وسلَّم ) يحثنا أنَّنا عندما ندعواْ الله تعالى بأن يرزُقَنا الجنَّة , فلا ندعوه إلَّا بأقل من الفردوس الأعلى من الجنَّة .
لأنَّ طلب أعلى درجة من الجنَّة سيُحفِّز لدينا الإجتهاد في زيادة الطاعات وزيادة الأعمال الصالحة في حياتنا الدنيا .
فالمُسلم عندما يكون هدفه مجرد الدخول للجنَّةِ فقط , فإنَّ هذا سيدفعه إلى بعض التكاسل , وسيعتقِد في قرارة نفسه بأنَّهُ غير مؤهل لنَيلِ درجة الفردوس الأعلى من الجنَّة .
وسيعتقِد بأنَّها للصحابةِفقط , أوللصالحين الذين لن يقتنع بأنَّهُ يُمكن أن يكون منهم , فلن يرى نفسه مؤهلاً لأنْ يكون من عبادِ الله الصالحين .
وهذا مانسمعهُ كثيراً حينما يسمع أحدهم عن نعيم الجنَّة فيقول ليس لنا إلَّا النجاة من العذاب , وهذا لا يُحفِز على حُب العبادة وحُب الأعمال الصالحة .
وبعيداً على وجوب حُسن الظنَّ بالله تعالى , لأنَّ الله تعالى لن ينفعهُ أويضره دخولنا الجنَّة من عدمه .
فإنَّنا يجب أن نعتقد أولاً بأنَّنا مؤهلين لنيل درجة الفردوس الأعلى من الجنَّة , وهذا سيجعلنا نجتهد أكثر في بذل الطاعات وصالح الأعمال .
أمَّا إنِ اعتقدت بعدم أهليتك لها , فماذا سيكون الدافع لبذل الكثير من الطاعات والأعمال الصالحة .
بالطبع يجب أن نعبد الله لأنَّه أحق بالعبادة , لكن ليس الناس في هذا الأمر سواء .
وإذا طبَّقنا هذا الحديث النبوي الشريف على حياتنا العامة , فسوف نجد الأمر أكثر أهمية وتطبيقاً عملياً .
الأهداف هي ما تُحدد مصيرك
فشابٌ إسمهُ ( أحمد ) يحلُم بافتتاح محلٍ صغير لبيع المُنظِفات , كافَحَ كثيراً واجتهد من أجل افتتاح هذا المشروع , وبالفعلِ تمَّ له هذا الأمر .
( أحمد ) بالفعل حقق نجاحاً واقعياً , ولكنَّ هناك رؤية مُختلفة قليلاً عند هذا الشاب , هذه الرؤية تختلف عَن شابٍ آخر إسمه ( محمد ).
( أحمد ) لم يكُن لديه أي طموحٍ إلَّا أنَّهُ يُريد زيادة أرباحه من هذا المحل الصغير , الذي وضع فيه كُلَّ أموالهِ .
و ( محمد ) افتتح محلاً صغيراً للمنظفات , لكن في منطقة مُختلفة , وأيضاً وضع فيه كُلَّ أمواله .
كان ( محمد ) طموحاً ويحلُم بافتتاح مصنع للصابون , لكنَّ إمكانياته المادية لا تسمح له بذلك .
كان الوضع المادي( لمحمد ) و ( أحمد ) مُتقارٍباً جداً , و افتتحوأيضاً نفس المشروع وبنفسِ الإمكانيات المادية .
لكنَّ الأفكار كانت مُختلفة , ( فأحمد ) يحلم بتوسِعة المحل وتحويله لمحلٍ أكبر يبيع فيه بالتجزئة والجملة , وعندها تزداد أرباحه .
أمَّا ( محمد ) فكان يُريد إفتتاح مصنع للصابون والمُنظفات , وكلاهما يجتهدان لتحقيق أهدافهما .
الفرق في نوعية الأهداف
وبعد خمسة أعوامٍ على الإفتتاح ( أحمد ) لديهِ محلاً كبيراً للمُنظفات , وكان يبيع المُنتجات بالتجزئة للعملاء , ويبيع بالجملة للتُجار .
أمَّا ( محمد ) فأصبح عضواً مُساهِماً بإحدى شركات صناعة الصابون والمنظفات , وهي إحدى الشركات الفوق المتوسطة .
قد تسألني ما هو المغزى من هذه القصة مادام ( محمد ) لم يُحقق حلمه بإفتتاح مصنع الصابون .
عزيزي القارئ :- إنَّك من قراءتك الأولية لقصة ( محمد ) و ( أحمد) ستفهم بأنَّ ( أحمد ) قد حقًّقَ هدفه بافتتاح محلٍ كبير للبيع بالتجزئة والجُملة .
أمَّا ( محمد ) فلم يستطع تحقيق هدفه , وهو افتتاح مصنع للصابون , ومنطقياً أنَّك تعتقد بنجاح ( أحمد ) وفشل ( محمد ).
ولكن دعني أُشكِك في إعتقادك هذا وأقُل لك صراحة وبمنتهى الوضوح :- إنَّك مُخطئاً بشدة ياعزيزي .
هل قرأت القصة جيداً , إنَّها ليست طويلة , يُمكِنك أن تُراجعها سريعاً ثُمَّ تعود لقراءة المقال …….
ها أنت قد عُدت إليَّ مرة أُخرى , ولا أدري هل فهمت القصة حقاً أم لا ؟!!!
لن أجعلك تحتار كثيراً عزيزي القارئ وسأوَضح لك نقطة بسيطة جداً في القصة , لكنَّها جوهر هذا المقال …….
إنَّ ( محمد ) أصبح عضواً مُساهِماً في مصنع , صحيح أنَّه ليس مصنع كبير , ولكنَّه أحد شُركائه , فتُرَى مِنْ أينَ حصل على هذا المال من أجل هذه الشراكة .
إنَّ الشراكة في هذا المشروع ( وإن لم يكن مصنعاً كبيراً ) تحتاج إلى أموالٍ كثيرة , هذه الأموال جمعها ( محمد ) من الإستثمار .
نتيجة أفكارهم وأهدافهم
( محمد ) ياعزيزي القارئ كانَ يتعامل مع المحل على أنَّهُ مرحلة يجب أن يتخطَّاها , ولكن كيف يجمع المال من أجل هدفه ؟!
لم يكن المحل بالنسبة( لمحمد ) سوى مركز تدريب فقط , كان من خلاله يكتشف أكثر عن هذه المهنة , وعن أدق أسرار المنظفات .
كان يتعرَّف على بعض كبار التُجار ورجال الأعمال من أجل فهم سوق عمل المُنظفات , وكان يقرأ ويبحث ويُفكر كثيراً .
وكانَ يعلم جيداً بأنَّ المحل أبداً لن يُجني منه المال الكافي لهدفه , فأصبح يعمل في أعمالٍ جانبية بالإضافة لمحله , وكان مايكسبه يستثمره مع التُجار الذين تعرَّف عليهم .
إفتتح محلاً أكبر ليس لأنَّه يُريد مضاعفة أرباحه من المحل , ولكن لتوسيعَ نطاق التجربة والمعارف , وزيادة فرص الإستثمار في أكثر من مشروع .
بعد أربعة أعوامٍ من الإستثمار في أكثر من مشروع , وبعد إدارته للمحل الذي كان يتعامل ببيع التجزئة والجملة , أصبح محمد يمتلك ثروة مالية معقولة .
وكان قد توسَّعت دائرة معارفه بالتجار والمستثمرين , حتى جاءته الفرصة بمعرفة إفتتاح مصنع للصابون .
لم يُفكر في أنَّه يجب أن يكون لديه مصنع خاص , أو يجب أن تكون لديه اليد العُليا في الإدارة , بل اكتفى بالشراكة مع بعض رجال الأعمال والتجار .
وبمعارفه التي اكتسبها استطاع بعد مجهودٍ كبيرٍ أنْ يحجزَ لِنفسهِ مقعداً مع 5 شركاء وهو سادسهم , وكان الأقل مُساهمة .
ولكنَّه وضع قدمه في بدايه هدفه الحقيقي , وهذا ما فعله هدفه فيه ……..
وأقصد بذلك أنَّ هدفه هو الذي أوصله لهذه المرحلة , لأنَّه وإنْ كان الأقل مادياً من باقي الشُركاء .
إلَّا أنَّه أصبحَ من أغنَّى التُجار الذين كانواْ تُجاراً كباراً حينما كان يُفكر في افتتاح محله الصغير .
صوِبْ نحو القمر
والآن عزيزي القارئ :- هل سمعت من قَبل بمقولة ( صَوِب نحو السماء , فإن لم تُصِب القمر , فسوف تُصيب النجوم )
هذا ما أُريد قوله لك عزيزي القارئ , وهذا مافعله ( محمد ) , ( فمحمد )صوَبَ هدفهُ نحو حلم كبير جداً , هذا الحلم هو الذي كان دافعاً له لجمع الثروة المالية .
فقد عَلِمِ بأنَّه سيحتاج إلى الكثير من المال , لهذا كافح بالحلال , وأُكرر بالحلال , كافحَ لكي يجمع أكثر قدر من الثروة .
فماذا لو كان حُلمه بسيطاً مثل ( أحمد ) ؟!
هل كان سيسعى نحو جمع هذه الثروة والنجاح ؟!
بالطبع لا , وهذا ماحدث مع ( أحمد ) الذي كان هدفه بسيطاً , فأصبحت حياته أبسط وأبسط .
( أحمد ) مازال هو التاجر , وإن كان تاجراً ناجحاً .
لكنَّ الهدف هو الذي أبقاهُ في هذه الدائرة المُغلقة , أمَّا ( محمد ) وإنْ لَمْ يُحقق هدفه , فإنَّه استطاع من أجل تحقيق هذا الهدف أن يصنع لنفسه مجداً .
واستطاع أن يحجز لنفسه مقعداً في صفوف رجال الأعمال , ليس في إدارة المصنع وحسب , بل في مشاريعٍ عديدة .
( محمد ) لم يستطع أن يُصيب القمر , لكنَّ سعيه الحقيقي بالإصرار والعزيمة والتخطيط , جعلهُ يُصيب العديدَ مِنَ النجوم .
أمَّا ( أحمد ) فلم يُحاول , فهو لا يزال يُصارع تُجار منطقته وحسب .
هل وعيتَ الآن حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلَّم ) عن الدعاء بالفردوس الأعلى من الجنَّة ؟!!!
إنَّ الهدف هوَ الحافِز والوقود الحقيقي لمُحركات عقولنا وأفئدتنا , فلا تجعل أبداً أحلامك بسيطة حتى لا تعيشَ بسيطاً .
( أحمد ) كان يُريد أن يكون تاجراً كبيراً , لكنَّه أصبح تاجر جملة عادي , ليس من الذي يستوردون ويُصَّدِرون البضائع .
ولو أنَّه طوَرَ هدفهُ وجعلهُ أكبر من تاجر جُملة , لكان ذلك حافِزاً قوياً لهُ ليكون أكثر من تاجر عادي , وقد يُصيب ولو نجمة واحدة فيكون من المُستورِدين .
عزيزي القارئ :- الحياة لا تُعطينا كُلَّ ما نتمناه أو نحلم به , حتى وإن سعينا لتحقيقه .
فدائماً إجعل سقف أحلامك وطموحاتك بعيد جداً , حتى إن حققت 70% من هدفك , تكون هذه النسبة ذات قيمة عالية لك .
وبمنتهى البساطة :- صوب نحو القمر حتى تستطيع أن تُصيب أكثر عدد ممكن من النجوم .
أنس النجار
تابعونا لقراءة العديد من المقالات المُلهمة للنجاح في مدونة استيقظ