لماذا خلقنا الله فقراء وأغنياء
لماذا خلقنا الله فقراء وأغنياء

إقتضت حكمة الله تعالى أن يُقَسِّم الأرزاق بين الخلق , فجعل منَّا الغني ومنَّا الفقير , حتى تسير حركة الكون .

والحكمة من تقسيم الأرزاق ثلاثة أسباب وهي :- [ أسباب في الدنيا – أسباب في الآخرة – أسباب في العقيدة ]

أولاً الأسباب الخاصة بالدنيا :-

فإننا إن أصبحنا جميعاً أغنياء فإننا لن نجد من يعمل على تنظيف الشوارع والطرقات , ولن نجد من يعمل بالحرف اليدوية , لأنَّ أحداً لن يرضى بهذه الأعمال إن كان غنياً , وعندها لن تستطيع أن تقوم بكافة الأعمال بنفسك .

تعدد الأعمال اليدوية

فإذا أردت بناء منزلاً لك , فعليك أن تستعين بأصحاب الأعمال اليدوية الشاقة .

وحينها يستوجب عليك أن تستعين بمهندس ليرسم لك التصميمات الخاصة بالمنزل .

وأيضاً ستحتاج إلى صاحب حرفة بناء وعمال معه , وعمال لنقل أدوات البناء , وستحتاج إلى مقاول وسباك وكهربائي ونقاش …وغيرهم

فالحياة يجب أن تعدد فيها المواهب , وقد مَكَّنَ الله لكل شخص عمل أو حِرفة يُتقِنُها ليكسب رزقه منها , حتى تكتمل دورة الحياة .

فعلى كل فرد أن يعمل على قدر طاقته بما أحل الله له من مصادر الرزق الحلال , وذلك بالسعي والاجتهاد .

وليس على أي شخص أن يعمل على قدر حاجته فقط , لأننا لو إجتهدنا جميعاً في أرزاقنا على قدر حاجتنا فقط , ما احتاج كل منَّا إلى تحسين مهاراته لكسب المزيد من الأرباح .

وعندها لن يكون هناك فائض من المال للتصدق به .

فعليك أن تُحَسِّن من مهارات عملك لتزيد أرباحك , فكلما زادت أموالك زادت صدقاتك على المُحتاجين , وهذه من حكمة الله تعالى في السعي والاجتهاد في العمل .

فالغني بحاجة إلى زيادة أمواله ليتصدق بها فتزدهر آخرته , والفقير بحاجة إلى أموال الغني ليحيا حياة كريمة , فكلاهما يحتاج للآخر .

وقد يكون أصحاب الأعمال اليدوية والحِرف هم أصحاب الرزق الوفير , ويمتلكون العقارات والسيارات الفاخرة , ويعيشون في رَغَد العيش .

في حين أنَّ بعض خريجي الجامعات الذين تعلَّمو في جامعاتهم دون أن يُتقنو حِرفة أو يعملون في التجارة , هم الأقل دخلاً من العمال الذين لم يحصلو على شهادات جامعية أو ربما لم يحصلو على شهادة متوسطة حتى .

إذ ربما يتخرج الطلاب من الجامعة ثم يعملون بأعمال مكتبية بشركات قد يمتلكها بعض هؤلاء العُمال الذين اجتهدوا وأصبح لديهم شركاتهم الخاصة .

فقد يجتهد عامل بسيط في مجال المقاولات حتى يُصبح مُقاول في مجال المقاولات العقارية, ثم يصبح بعدها مالكاً لإحدى شركات المقاولات , والذي يأتيه مُهندس متخرج من الجامعة لكي يعمل في شركته .

وعندها يكون خريج الجامعة هو من يحتاج للمقاول الذي كان عاملاً بسيطاً في الماضي , فسبحان الله العظيم القائل في كتابه العزيز ……

{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } الزخرف (٣٢)

ثانياً / الأسباب الخاصة بالآخرة

١- أنَّ الإيمان شطران ( نصفان ) شطر للشكر , وشطر للصبر .

فإنك إما أن تكون في نعمة فتشكر , وإما أنك في محنة فتصبر .

فالغني ( صاحب الرزق الوفير ) قد فاز بنصف الشكر , وحُرِمَ من نصف الصبر , وحتى بتم له تمام الشكر فعليه أن يُعطي من ماله لغير القادر على العمل .

والإنسان بطبيعته مُحباً للمال ويجد مُقاومة شديدة من نفسه حين يتصدق من ماله الذي رزقه الله إياه , فيحتاج إلى الصبر على مقاومة نفسه التي ترفض التفريط في المال .

وبذلك يكون قد حصل له تمام الصبر , وأيضاً نال تمام الشُكر لله حينما شَكَرَ الله تعالى بالقول والفعل , لا بالقول فقط , لأنَّ إعطائه الزكاة والصدقات من ماله هو أعظم شُكر وإعتراف بالقول والفعل بأنَّ الله تعالى هو واهب الرزق الذي ينعم به .

أمَّا الفقير فقد نال تمام الصبر حينما صَبَرَ على فقره , ولكن يكون بشرط…….

أن يجتهد في السعي من أجل قوته وقوت أطفاله , ولكن إرادة الله أن رزقه المال القليل والغير كافي , وينال تمام الشكر بأنَّه سعى بإجتهاد ولم يرزقه الله المال الوفير حتى يأتيه من يتصدق ويعطيه من ماله , فيشكر الله تعالى أن أرسل له الغني ليُعطيه من ماله .

أما العاجز عن العمل والكسب فلا يفقد صبره , لأنَّ الله تعالى أرسل له من يعطيه من ماله بدون تعب , لأنَّ الغني يبحث عن المحتاجين ليعطيهم من ماله ليتم له تمام الشكر على نعمة الرزق .

٢- أنَّ الله تعالى أعلم بقلوب عباده وبما يصلح لهم , فالبعض قد يطغيه المال فيكفر بنعمة الله ويستكبر ويسعى في الأرض الفساد , والبعض يجعلهم الفقر ساخطين على قدر الله .

لذلك أعطى الله الفقر للفقير لأنه تعالى بحكمته يعلم بأنه لا يصلح له إلا الفقر , وأعطى الغنى للغني لأنه يعلم بأنه الأصلح له أن يكون غنياً .

وهذه من حكم الله العظيمة في توزيع الأرزاق والتي لولاها لهلكنا جميعاً .

ولو تأملنا لشكرنا الله على هذا التوزيع , وقد صدق الله تعالى حين قال في كتابه العزيز ….

{ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } (27) الشورى

فالمال قد يكون سبباً في إفساد وطُغيان البعض فيُقلل الله تعالى أرزاقهم المالية رحمة بهم , والمال قد يكون سبباً في إصلاح البعض وتقواهُم , فيزيدهم الله تعالى من الرزق الحلال قال تعالى

{ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أنْ رَآهُ اْسْتَغْنَى } (7) العلق

وهنا ننوه إلى نقطة في غاية الأهمية وهي:- أنَّ غنى الشخص لا يدل بالضرورة على تكريم الله له, وأنَّ فقر الشخص لا يُعني الإهانة والغضب من الله تعالى , وفي ذلك يقول الله تعالى

فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) الفجر

ثالثاً / الأسباب الخاصة بالعقيدة :-

فإنَّ المال هو مال الله , يرزق به من يشاء من عباده .

فالذي يملك المال الوفير يكون قد أقرضه الله تعالى هذا المال ليصرفه العبد كيف شاء الله تعالى على المحتاجين , فإن أعطى الغني من ماله للفقير والمحتاج فيكون قد وفقه الله تعالى في صرف المال بإرادته ومشيئته تعالى .

وهنا قد ميز الله تعالى الفقير بميزة عظيمة وهي أنَّ الله تعالى قد أقرض المال للغني من أجله , فقد جعل الله تعالى الزكاة ركن من أركان الإسلام , وهو خاص للفقراء والمحتاجين .

فالغني ليس له ركن في إيمان الغني , بعكس الفقير الذي له ركن من إيمان الغني , وهذه ميزة للفقير من عند الله تعالى

وإن كان الله تعالى قد ميز الفقراء والمحتاجين , فلاننسى الفضل العظيم عند الله تعالى للأغنياء الذين يتصدقون بأموالهم , فالتصدق من أعظم العبادات لله تعالى التي تمحو الذنوب وترفع صاحبها في درجات عظيمة في الجنة , كما أن صاحب الصدقات ينال رضة الله تعالى في الدنيا والآخرة , وكفاه رضا الله عنه .

وختاما

الله تعالى وَزَّعَ الأرزاق على الخلق , فمنهم من نال الصحة ومحبة الناس وبر أبنائه به لكنه حُرِمِ المال , ومنهم من نال المال لكنه حُرم من الأولاد أو الصحة أو الزوجة الصالحة .

فلا تنظر للرزق بأنه مال فقط , فليس الرزق بالمال فقط , فالصحة والنجاح والذكاء والسعادة والزوج الصالح أو الزوجة الصالحة أو السعادة بالأبناء ونجاحهم وغيرهم الكثير ……. كل هذه أرزاق .

والله تعالى يعطي كل إنسان رزقه كاملاً , لكن يتم توزيع رزقه عليه ما بين الصحة والنجاح والسعادة والمال .

انس النجار

تابعو المزيد من المقالات والقصص الملهمة للنجاح في مدونة إستيقظ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!