حوار مع رجل أعمال
أنا صحفي وإسمي سالم منتصر , وسوف تجدوني معكم في مغامرات كثيرة , وهذه أول مُغامرة لي , وكانت مع رجل أعمال .
حيث تم تكليفي من قِبل رئيس التحرير بإجراء حوار مع رجل أعمال , وهو السيد محمود درويش , وهو رئيس إحدى شركات القطاع العام .
وكان السبب في تكليفي بهذا الحوار هو كشف أسرار نجاح هذه الشركة بعد أن أوشكت على الإفلاس .
وقد تغير وضع الشركة من شركة موشكةً على الإفلاس إلى شركة ناجحة في غضون ثلاث سنوات .
والحقيقة أنَّ هذا التغيير تَمَ بعد تكليف السيد محمود درويش بإدارتها .
وحتى لا أُطيل عليكم سأُباشر بسرد قصة هذا الرجل وشركته من خلال حواري معه .
بداية الحوار
في البداية سألته عن كيفية وصوله لهذا المنصب , وعن الإنجازات التي تمت تحت إدارته , فأجابني الرجل بكل وضوح , ولا أرى ضرورة لذكر هذه التفاصيل .
مايهُم في هذا الحوار هو السؤال الذي كُلِفت من أجله بهذا الحوار وهو :-
كيف استطعت تغيير وضع الشركة في ثلاثة أعوام فقط من شركة أوشكت على الإفلاس , إلى شركة ناجحة تُنافس الشركات الأخرى العامة والخاصة ؟!!!
تحدث عن الكثير من الأسباب الخاصة بإهدار المال العام بالشركة , وضياع أموال الشركة في العديد من المكافآت الوهمية والتحويلات , وأنتم تفهمون هذه الأمور .
لكنه صدمني حين قال :- إنَّ إهدار المال ليس سبباً على الإطلاق في ضياع الشركة , ولكن السبب الرئيسي الذي اكتشفته وعالجته هو تبديل الأدوار وإجراء بعض التعيينات .
فأصابتني الدهشة من قوله وقلت له :- لا أفهمك سيدي
فقال لي :-
لقد كانت أكبر المشاكل التي تواجهها الشركة هي وضع الرجل المناسب في المكان الغير مناسب .
وقد كانت الأسباب لحدوث هذا الأمر كثيرة ومنها :-
أنَّ هناك بعض الأشخاص الذين كانو يحاربون من أجل الوصول لمكانة محددة في الشركة , دون الوقوف على دراسة إمكانياتهم إنْ كانت مناسبة لهذا المنصب أم لا , وهؤلاء لا يهمهم سوى الوضع الإداري والمالي .
وهناك أشخاص تم وضعهم في أماكن محددة وذلك لترابطٍ بينهم وبين غيرهم , وهذا الترابط قائم على هذا المكان , رُغم أنَّ قدراتهم متفوقة إذا تواجدو في أماكن أخرى .
وهُناك من وُضِعْو في أماكن لا رغبة لهم فيها , وإنما أُجبرو عليها , لأنَّ هناك من إحتل مكانهم الطبيعي .
وهناك الكثير من الحالات حول هذا الأمر , كلها حول عدم تواجدهم في المكان المُناسب .
فسألته :- وكيف عرفت بهذه الأمور ؟!! … وكم إستغرقت من الوقت لمعرفة هذه التفاصيل ؟!!
فأجابني قائلاً :- سأُجيبك عن الوقت أولاً , فقد إستغرق مني الأمر ثلاثة أشهر .
وبخصوص سؤالك الثاني :- فقد كان الأمر في البداية سهلاً , حيث راودتني الشكوك في أحد الموظفين عندما كان حاضراً في أحد الإجتماعات التي ترأستُها لمناقشة أمر ما يخص الشركة , فقد أجابني هذا الموظف في تخصص غير تخصصه , وأفاد بإجاباته رُغم أنَّ المتخصص في مجاله لم يكن على درايةٍ مثله .
وسألته بالطبع , لماذا أنت موجود بقسمك هذا ولا تتواجد بالقسم الآخر ؟
فلم يجبني واكتفى بنظرات للإدارة , وعندها فهمت .
بعدها كلَّفتُ لجنة بدراسة كل قسم على حدة , وكانت هذه الدراسة قائمةً على دراسة الموظفين , حيث عينتُ بكل قسمٍ إدارة لشؤون الموظفين خاضعة لي , ومهمتها تكليف العاملين بدراسات وأبحاث وأفكار على نطاق الشركة كلها وليس القسم الذي يعمل فيه كل موظف , ثم رفع التقارير لي لدراستها .
قاطعته :- وهل كنت تقرأ كل هذه التقارير ؟!
فأجابني :- لم أفعل أي شيئ في الشركة لمدة ثلاثة أشهر سوى دراسة هذه التقارير .
المطالبة بإقالتي
حتى إنَّ بعض المسؤلين رفيعي المستوى طالبو بإقالتي من منصبي , ولولا أحد هؤلاء المسؤلين كان يعرفني جيداً ويقف مُسانداً لي , لتمت إقالتي بالفعل .
قاطعته :- ولماذا تتم إقالتك ؟
أجابني :- لأنَّ شُغلي الشاغل كانت دراسة التقارير فقط , أمَّا الشركة فلم أكن أُلقي لها بالاً على الإطلاق .
قاطعته :- كيف لا تهتم بالشركة وتهتم بالتقارير فقط , وأنت تم تكليفك لإنقاذ الشركة ؟!!. إعذرني سيدي لكن هؤلاء المسؤولين لهم الحق بطلب إقالتك .
تنهد وأخذ نفساً عميقاً وبدت عليه ملامح التفكير فقال لي :- لا يمكن أن تضع البذور في أرض مليئة بالحشرات والأمراض , عليك أن تتخلص من هذه الأمراض ثم تقوم بحرث الأرض جيداً , وبعدها تقوم بِبَذْرِ البُذور .
وبمنظور تفكيرك سيتم وضع البذور في أرض غير صالحة للزراعة , وستتفاقم المشاكل أكثر حينما تفسُد هذه البذور في الأرض , لأنك تعجَّلت بالبَذْرِ دون علاج أصل المشكلة .
أما أنا فقدْ تمهلتُ كثيراً حتى تصبح الأرض صالحة لبذر البذور , والنتيجة هي ثمرة طيبة .
قلت له وأنا مبتسم وفي دهشة :- لقد أحسنت القول , قولك وأفعالك صحيحة , لقد فهمتُ رسالتك سيدي .
ثم سألته :-وهل كان إبدال الأماكن للموظفين والإداريين سهلاً ؟!!
أحابني وهو يضحك :- إنَّ حل مشكلات الحياة والطبيعة سهل , لكن حل مشاكل الإنسان أمرٌ صعب ومعقد .
فالعادة أمر قاتل عند الإنسان , خاصة إن كان الشخص غير مستعد للتغيير .
لقد كانت المشكلة الرئيسية هي تغيير العادة لدى الموظفين , وإقناعهم بأنَّ أماكنهم الجديدة هي الأنسب لهم .
لكن المشكلة أننا بطبيعتنا البشرية يصعُب تغيير أفكارنا وطِباعنا .
ونسعى دائماً للإستقرار .
والاستقرار الذي يمنعك من التغيير وتجربة أمر جديد , هو عادة قاتلة ومدمرة.
الناجح هو الذي يبحث عن الأفضل ويسعى لأن يكون في المكان الأنسب له , وليس في المكان الأفضل .
أغلب الموظفين كانو يبحثون عن الأفضل من ناحية الاستقرار والراحة والمكانة الإجتماعية , ورفضوا التواجد في أماكن يعلمون يقيناً أنها الأنسب لهم , ولكنَّهُم فضَّلو الاستقرار .
واجهتُ مصاعب كثيرة , لكنني نجحت بإقناع الجميع بأنَّ هذه أماكنهم الأنسب , وكان هذا هو سبب نجاح الشركة .
وجهت له طلباً في النهاية وقلت له :- ماهي النصيحة التي تريد أن تقولها لجمهور القراء الذين سيقرأون هذا الحوار ؟
نصيحة الحوار
فقال :- أفضل نصيحة أُقدمها للقراء حسب خبرتي هي :-
إبحث عن المجال الذي تتأكد بأنَّك ستتفوق فيه , دون الإعتبارات الإجتماعية , ونظرة المجتمع لك , لاتُضحي بمكانة ستكون أفضل فيها من أجل نظرة المجتمع لك .
على سبيل المثال أنت لديك مهارات في مجال الكتابة وإجراء الحوارات , فلاتُضحي بهذه المهنة من أجل الدراسة في كلية الطب , فالأمر الطبيعي هو أن تدخل كلية الطب من أجل المكانة الإجتماعية كطبيب وقبلها مكانتك وأنت طالب بكلية الطب , وأيضاً لأنَّك حصلت على الدرجات المُناسبة لدخولها , لكن صدقني النجاح ليس بالمكان , يمكنك أن تحقق بكلية الصحافة والعمل كصحفي نجاحات عظيمة يعجز عن تحقيقها الكثير من الأطباء , لكن عليك أن تكون واثقاً بأنَّك ستحقق أقصى درجات التعلم والكفاح في المجال الذي اخترته , وإلا كان الأمر عاطفياً , وعندها ستخسر الكثير , فالنجاح والعاطفة هما عدوان , وعليك أن تُسَّخِر عاطفتك تحت وطأة منطقك وعقلك وتحقيق أهدافك .
إنتهى الحوار بتبادل التحية والسلام بيننا .
إلى اللقاء في مغامرة أخرى إن شاء الله
انس النجار