تعلم كيف كان يخطط النبي
تعلم كيف كان يخطط النبي

الأمة التي لا تملك إقتصادها هي أمة خاضعة .
فلن نمتلك إرادتنا إلَّا بعد أن نمتلك غذائنا ودوائنا وسلاحنا وعلومنا التكنولوجية لمواكبة هذا التقدم الغربي الكبير

حينما أراد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الهجرة من مكة إلى المدينة , لم يتخذ القرار بالهجرة مرة واحدة , بل خطط للأمر جيداً قبل التنفيذ .
فالهجرة لم تكن أمراًِ هيناً كما يعتقد الكثير , فلم تكن من باب الرفاهيةعلى الإطلاق , ولم يكن الصحابة يريدون ذلك , فهي ترك للأهل والصداقة والأسرة ومصادر الرزق , وغيرها الكثير ……
وقد عبَّر عنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) حين قال { وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَه .
ولم تكن المغامرة هينة على الإطلاق , فرسول الله سيُخرج الصحابة من أوطانهم ويذهب بهم إلى أرض غريبة عنهم , وفي هذا مخاطرة كبيرة جداً .
فقد يُقبل أهل الأرض المهاجرين إليها بالعداء للرسول وأصحابه , وقد يتعرضون للأذى بجميع أشكاله وألوانه , حتى يكون عذابهم في مكة أهون بكثير .
ولكنَّ الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وهو المعصوم من الله تعالى أخذ بالأسباب , وقام بالتخطيط والإعداد الجيد لهذه الخطوة المصيرية الخطيرة .
فهي خطوة قد تقضي على هذه الدعوة نهائياً قبل أن يعلم بها أحد , لكنَّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أدرك هذا الأمر وقام بالتخطيط والإعداد المُحكَم .

المراسلات السرية مع أهل يثرب

المراسلات السرية مع أهل يثرب


فقد أجرى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المراسلات السرية مع بعض أهل رجال أهل يثرب ( المدينة المنورة ) , هذه المراسلات كانت إختباراًِ لمدى إستجابتهم وتقبلهم لهذه الدعوة الجديدة .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حذراً أثناء هذه المراسلات الشخصية مع بعض وجهاء المدينة لسبب وحكمة :-
فقد كان شديد الحذر من علم مشركي مكة بهذه المراسلات , ما يؤدي إلى إفشالها وتعريض الرسول وأصحابه لخطر أكبر .
كما إنَّ إنكشاف الأمر سيؤدي إلى تعريض رجال المدينة الذين يتواصل معهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) للخطر .
وتعرض هؤلاء الرجال للخطر سيكون له عواقب كارثية , حيث سيستغل مشركو قريش هذا الأمر لإعلام الجميع بأنَّ من يتعاون مع محمد وأصحابه سيتعرضون للأذى والخطر .
مما سيؤدي إلى إبتعاد القبائل عن الرسول والصحابة خوفاً على أنفسهم ومصالحهم , وسيتم زيادة الحصار على الرسول والصحابة داخل مكة .
مما سيقلل فرصة معرفة القبائل بهذه الرسالة التي أمر الله بها رسوله بتبليغها للناس كافة .
ولم تكن السرية هي الخطوة التي إكتفى بها رسول الله ( صلى اله عليه وسلم ) , بل أدت هذه الرسالة إلى بيعة العقبة الأولى , ومنها قام رجال هذه المبايعة بدخول بعض أهل المدينة للإسلام .
حتى إنَّهم طلبو من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن يُرسل معهم من يعلهم الدين ويفقههم في الحلال والحرام ويوجههم إلى عبادة الله تعالى .
مما أدى إلى دخول عدد كبير منهم في الإسلام , مما أدى إلى بيعة العقبة الثانية , لكن هذه المرةكان العدد أكثر من البيعة الأولى .
وقد كان ما حدث , وأرسل معهم مصعب ابن عمير , وبفضله أسلم عدد كبير من أهل يثرب ( المدينة ) , وعلى رأسهم سعد ابن معاذ الذي أسلم بإسلامه الكثير والكثير .
وبعد البيعة الثانية إنتشر الإسلام حتى عمَّ المدينة كلها تقريباً , وهاجر بعض الصحابة إليها وأصبحو في مأمنٍ مع أهل المدينة من كفار قريش .
فكان هذا الرعيل المسلم من الصحابة واهل المدينة درعاً للإسلام والمسلمين , أراد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجعلها قوة بشرية وعسكرية إحتياطية للمسلمين .
فقد كان مشركي مكة يحاربون الرسول والصحابة في مكة لكي يقضو على هذا الدين الجديد , ولا يعم ذكره بين قبائل العرب .

لكن عبقرية الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كانت متقدمة عليهم جميعاً , فقد أسس دولة مستقلة بعيداً عن أذى مشركي مكة , وانتشر الإسلام خارج حدود مكة , وأصبح للمسلمين قوة إحتياطية خارج حدود مكة .

لو أراد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن يرسل إليهم ليقتحمو مكة ومن فيها لفعلو , فقد كان أهل يثرب ( المدينة المنورة) حينها قوم حرب وبأس وخبرة بالحروب .
حتى إنَّهم عرضو على رسول الله أن يقاتلو مشركي مكة , إلَّا أنه كان يقول لهم لم أؤمر بذلك , فلم يتم حينها تجهيز دولة المسلمين من الناحية العسكرية .

إطمئنان الرسول لإستعدادت يثرب

إطمئنان الرسول لإستعدادت يثرب


وعندما اطمأنَّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أن المدينة أصبحت مؤهلة لتكون مركزاًِ لدولة المسلمين ومركزاِ لنشر هذا الدين , قرر الهجرة فعلياً .
حتى إنَّ أهل المدينة هم الذين طالبوه كثيراً بالإسراع بالهجرة , وعندما قرر الهجرة كان أهل المدينة أسعد الخلق بهذا القرار .
فتمهل الرسول لهذه الهجرة مع نصح أهل المدينة للخير وتنظيم حياتهم , جعل الرسول يذهب إليهم وهو ليس بضيف , بل التمهل وجعل اهل المدبنة في إشتياق له جعله صاحب هذه البلد وليس ضيفا فيها .
وهذه من عبقرية التخطيط التي اتبعها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) طيلة حياته الكريمة .
هذا التخطيط هو الذي نغفل عنه الآن , فالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان مؤيداً من الله تعالى بالنصر والوحي , ومع ذلك لم يكن يخطو خطوة بدون تخطيط وتمهيد .
هذا التخطيط والأخذ بالأسباب هما ما صنعا هذه الرسالة بعد توفيق الله تعالى .
فكثير من المسلمين يعتقدون بأنَّ تقربنا من الله تعالى هو الذي سيقودنا نحو النصر والتمكين في الحياة الدنيا , رغم أنَّ تقربنا إلى الله تعالى بالعبادات والطاعات من أعظم أسباب النصر والتمكين في الارض .
لكن الأخذ بالأسباب والتخطيط لهم دور هام جداً , فبدونه لن نستطيع أن نتمكن في الأرض أو ننتصر .
وها نحن نرى الغرب قد أصبحو متقدمين علينا في كافة مجالات العلم والسياسة والإقتصاد والصناعة بأنواعها وغيرها الكثير …..
ونتسائل لماذا لا يجعلنا الله ونحن مسلمين أهل التمكين في العالم الآن , لماذا مكن الله الغرب علينا ونحن المسلمين ؟!!!

أسباب تخلفنا عن الغرب

أسباب تخلفنا عن الغرب

الحقيقة أنَّنا أغفلنا أحكام ربنا في القرآن والسنة , وتركنا العلم والإجتهاد في علوم الحياة من أجل رفعة هذا الدين كما فعل الصحابة والتابعين .
فلم يكن المسلمون يحكمون العالم بالسيف , وإنما بالعلم والحكمة والعدل , وهذا العدل الذي يأتي عن طريق فهم الحياة بكل مجالاتها .
فقد أمكننا الله بالعلم وبالتمسك بكتاب الله وسنته , مما فيهما من التوجيهات العلمية التي تؤهلنا للتمكين في كافة مجالات الحياة .
فالتقرب الى الله تعالى بالعبادات والطاعات هو أمر واجب علينا جميعاً , لكنَّه ليس كافياً ليجعل لنا قيمة وثقلاِ في هذا العالم .
فعلينا أن نفهم الحياة من حولنا ونجتهد في كالة العلوم وكافة مجالات الحياة , فالحياة ليست عبادة فقط , وليست للعلوم الشرعية فقط , رغم أهمية العلوم الشرعية .
لكن علينا أن نخطو خطوات التابعين من المسلمين , فهذا ابن الهيثم وابن بطوطة وابن خلدون والرازي والفارابي وغيرهم الكثير والكثير ….
فهم لم يكتفو بالعلوم الشرعية فقط , بل جمعو بين علوم الدنيا التي مهدت للمسلمين التمكبن في الأرض في كافة المجالات .
فالغرض من المسلمين هو الخلافة في الأرض , والخلافة في الأرض لن تأتي بالعلوم الشرعية فقط .

بل نحتاج إلى الطب والكيمياء والهندسة والأدب , وحتى السينما التي أصبحت قوة خطيرة جداً .
فالتمكين لن يأتي إلَّا إن عدنا إلى كتاب الله وسنته , وكتاب الله وسنته يلزموننا على الإهتمام بجميع العلوم والمجالات في الحياة .
وللأسف الشديد نرى في عصرنا هذه الفجوة الهائلة بيننا وبين الغرب في كافة مجالات الحياة , ونشكو من ضعفنا وهواننا على باقي الأمم .
وأصبحو هم المتحكمين فينا إقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً وفنياً وأدبياً

الأمة التي لا تملك إقتصادها هي أمة خاضعة .
فلن نمتلك إرادتنا إلَّا بعد أن نمتلك غذائنا ودوائنا وسلاحنا وعلومنا التكنولوجية لمواكبة هذا التقدم الغربي الكبير .

أمَّا من ينادون بأنَّ الحل بالصلاة والزكاة والحج والتقرب من الله فقط , فهؤلاء إمَّا جاهلون بفقه التمكين في الإسلام وبحقيقة مقاصده .

أم نَّهم لا يريدون لهذه الأمة النهوض .

خاتمة


التقرب إلى الله تعالى أمر لا نقاش فيه , لكن نهوض هذه الأمة لن يكون بالصلاة والدعاء فقط , وإلَّا لنفعتنا هذه الدعوات وحدها .
فالنهوض هو أن نتقدَّم ونتطور في كافة مجالات الحياة , وعلى رأسها الإقتصاد الذي هو بوابة التحرر لأي دولة .

واقرأو سيرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والصحابة والخلفاء الراشدبن لتعلمو أنَّ التمكين ليس بالصلاة والدعاء فقط , بل بالتفوق في كافة مجالات الحياة .
ولو أنَّ الأمر ينتهي بالدعاء فقط لما كان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) خاض العديد من الغزوات .
وكان يكفيه أن يدعو للمشركين إمَّا بالهداية فيدخلون الإسلام جميعاً , أو يدعو الله تعالى أن يهلكهم

وقد جاءه جبريل ( عليه السلام ) يطلب منه أن يطبق عليهم الأخشبين , أي يهلك أهل مكة .
ولكنه ( صلى الله عليه وسلم ) لم يوافق وقال لملاك الوحي لعل يخرج منهم من يعبد الله .
فلو أن الامر بالدعاء فقط فهذا مشهد واحد فقط من مئات المشاهد .


تابعونا لقراءة العديد من المقالات الملهمة للنجاح في مدونة استيقظ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!