الجهل في بعض الأحيان قد يكون سبباً قوياً لتحقيق النجاح , فالمعرفة قد تكون هي العائق الأكبر لتحقيق أهدافك ونجاحاتك في الحياة .
فجميعنا نقرأ ونتعلَّم من أجل النجاح في حياتنا , فكيف يكون الجهل سبباً في نجاحنا ؟
هذه حقيقة غريبة بعض الشيئ فلا تتعجب ودعني أشرح لك الأمر .
وسأبدأ بسرد هذه القصة التي ستساعدك على حل هذا اللغز …..
شاب يحل معادلة مستحيلة
شابٌ أمريكي دخل قاعة المحاضرات متأخراً , فوجد على لوحة الكتابة بالمدرج معادلة رياضية غير محلولة .
قام هذا الشاب بتدوين هذه المعادلة ظناً منه بأنَّها واجبٌ منزلي , وأنتهى من تدوينها أثناء إنصراف زملاءه من قاعة المحاضرة .
ذهب للبيت وبدأ بمراجعة دروسه , ثمَّ عكف على حل هذه المسألة طوال الليل , ثمِّ قدمها لأستاذه بالجامعة في اليوم التالي .
أُصيب أستاذه بالذهول , وطالب الفتى بإخباره بحقيقة الأمر وكيف قام بحلها , ولماذا قام بحلها من الأساس , فهو لم يطلب من أحد حلها .
شرح له الطالب ما حدث معه بالأمس .
رد عليه أستاذه قائلاً :- إنَّ هذه المعادلة من أصعب المعادلات التي حيرت الكثير من أساتذة الجامعات والباحثين .
ولقد قمت بكتابتها على اللوح الكتابي كنموذج للمعادلات التي يستحيل على أي باحث عادي حلها .
الشاهد من هذه القصة هو جهل الطالب بحقيقة هذه المعادلة , وهو ما دفعه للعمل بكل طاقتة العقلية من أجل حلها .
مُعتقداً بأنَّها من الواجبات التي يجب حلها لنيل درجات أعمال السنة .
فماذا سيحدث لو علم هذا الطالب بحقيقة الأمر ؟
هل كان سيُجهد نفسه من أجل حل هذه المسألة ؟
والسؤال الأهم :- هل كان سيستطيع أن يحلها لو أنَّه علم بحقيقة إستحالة حل هذه المعادلة من قبل العديد من كبار الأساتذة الجامعيين ؟
دعني أُقرِّب لك الأمر أكثر بهذه القصة التي يرويها الدكتور أحمد خالد توفيق – رحمه الله –
أحمد خالد توفيق والرماية
يقول د/ أحمد خالد توفيق :- لقد كنت في رحلة ريفية لإحدى الأرياف المصرية , رأيت فيها مجموعة من أصدقائي يلعبون لعبة سخيفة .
لقد علَّقو زجاجة مياه غازية فارغة بحبل على غصن شجرة , وجعلوها تتأرجح كبندول الساعة , ثمَّ راحو يصوبون عليها بالبندقية من مسافة بعيدة نسبياً .
دنوت منهم وقررت أن أجرب هذه اللعبة السخيفة .
أمسكت بالبندقية وقلت ما هذه ؟! ,,,,, بندقية ؟! ,,,, كيف تُطلقون بها ؟!,,,,, وما المطلوب بالضبط ؟! ,,,,, إصابة هذه الزجاجة ؟!,,,, دعوني أُجرب …..
وضغطت على الزناد , وبدون تفكير أصبت الزجاجة لتتناثر شظاياها في كل إتجاه , ويشهق أصدقائي ذهولاً …..
عرفت فيما بعد أنَّهم يحاولون منذ ساعة , وأنَّ ثلاثة منهم حاصلين على جوائز في الرماية , لكنَّهم فشلو !!!
ثُمَّ يختتم الدكتور أحمد خالد توفيق قصته بهذه الجملة ( لو كنت أعرف هذا كله مسبقاً لفشلت حتماً )
فما علاقة الجهل بنجاحنا أو فشلنا ؟!!
الخوف من الفشل
إنَّ الأمر يعود إلى الخوف من الفشل , أو المبالغة في التخطيط , أو التشتت بالأفكار .
فأغلب حالات الفشل التي تُصيبنا لا تأتي من نقص إمكانياتنا ولا من نقص مهاراتنا , بل من زيادة الخوف من الفشل .
فالعقل الباطن عند الخوف يتلقى إشارات سلبية تؤدي إلى نتائج عكسية .
فالشاب الذي قام بحل المعادلة الرياضية تم برمجة عقله الباطن على ضرورة حل هذه المعادلة , وكان هذا سبباً في إصراره على حلها رغم العوائق والصعوبات .
فلو أنَّه عرف بحقيقة هذه المعادلة ماكان ليفكر في حلها من الأساس , وحتى لو فكر في حلها فإنَّه سيواجه عقبات عقله الباطن الذي سيُخبره باستحالة حلها .
كذلك الأمر مع الدكتور أحمد خالد توفيق , فالتصويب أسهل من حل المعادلة , لكنَّه قام بالتصويب من أول مرة وبمنتهى المهارة والدقة .
ولو أنَّه أدرك أنَّ ثلاثة من أصدقائه الحاصلين على جوائز في الرماية واجهو صعوبة في التصويب , ماكان ليفعلها ولا بعد خمسة محاولات .
لأنَّ التفكير في الفشل سيزيد لديه وسيحقق ضربته ضد تركيزه , كما أنَّه سيبالغ في الأفكار حول كيفية إصابة الهدف , وهذه الأفكار ستُقلل من مهارته ودقته .
وقد تؤدي أفكاره في النهاية إلى عدم التجربة , لأنَّ ثلاثة حاصلين على جوائز فشلو , فسيكون منطقياً أن يتراجع عن منافستهم .
وقد أقر في النهاية بالحقيقة قائلاً :- لو كنت أعرف هذا كله مسبقاً لفشلت حتماً .
الأفكار سبب الفشل
وللأسف الشديد يعاني كثير منَّا من حالات فشل بسبب عقله وأفكاره , فالعقل كما هو أصل نجاحنا , فهو قد يكون أصل فشلنا .
وهذا إذا قمنا باستخدامه بطريقة خاطئة , وإذا بالغنا في استخدامه لدراسة العواقب .
لذلك أنصحك عندما تُقبل على إنجاز هدفٍ ما في حياتك بأن لا تُبالغ في الأفكار والتخطيطات , وإلا ستكون النتائج عكسية .
كطالب يؤدي إختبار نهاية العام , وقد استعد تماماً بالمذاكرة , وعند أداء الإمتحان تسربت منه المعلومات , فأُصيب بحالة جمود فكري أدت به إلى نسيان المعلومات .
والسبب هو أنَّ الخوف تملَّك منه وأصاب عقله بفقدان ذاكرة مؤقت , لأنَّه بالغ في الإستعداد لأداء هذا الإمتحان .
وهذا الطالب مثل الدكتور أحمد خالد توفيق , فلو أنَّه بالغ بالتفكير والتركيز لإصابة الهدف , لأفقده هذا تركيزه وجعله يراجع قرار التصويب بالبندقية .
فالتفكير في الأمر يجعل الشخص يخلق أفكاراً متعددة سواء كانت إيجابية أو سلبية .
فأمَّا الأفكار السلبية فمعلومٌ أضرارها , أمَّا الأفكار الإيجابية فأضرارها بزيادتها .
لأنَّ الأفكار إن زادت عن الحد الطبيعي أدت إلى تعدد الحلول , وهذا يؤدي إلى تأخير الإنجاز , مما يؤدي إلى التقليل من الحماسة التي تؤدي في النهاية إلى إلغاء الأمر ذاته .
التخطيط يسبب الفشل
فالتفكير والتخطيط قد يكونا عائقاً شديداً ضد النجاح , فهناك فئة من الناس تُبالغ بالتفكير من أجل وضع الخطط لأهدافهم بطريقة تجعلهم أسرى لهذه الخطط .
فلا يجدون وقتاً لتنفيذ جزء من هذه المخططات لأنَّهم مغمورين بشدة في وضع ومراجعة الخطط والأفكار .
وعندما يتم التركيز على المخططات أكثر فإنَّ الأفكار ستزداد , وستزداد معها الخطط , فبدلاً من وضع خطة واحدة ستجد العديد من الخطط .
ولأنَّك تفرَّغت لوضع الخطط فإنَّك ستصدر العديد منها حتى تصل لحالة تعدد الأفكار والخطط التي ستجعل أخذ القرار صعباً , فلا تدري أي الأفكار أفضل .
ولا أعترض على وجود أكثر من خطة , كما لا أعترض على العديد من الأفكار , ولكن أين الإرتجال .
ويعتقد البعض أنَّ الإرتجال هو البدء في إنجاز عمل ما بدون تفكير أو بدون خطة أو هدف من هذا العمل .
لكن هذا الكلام غير صحيح , لأنَّ الإرتجال الصحيح هو البدء في تنفيذ العمل بناءاً على الخبرات السابقة في العقل الباطن .
فإذا كانت لديك خبرة في عملٍ ما فسوف تجد نفسك تتعامل بإرتجال وتلقائية وبدون تفكير لتنفيذه على أتم وجه وبمنتهى المهارة .
فالإرتجال الصحيح هو إسترجاع الخبرات والأفكار المعلومات المُخزنة في العقل الباطن سابقاً وتنفيذها على أرض الواقع .
فالذي قام بالتصويب كانت لديه خبرة سابقة في إستخدام البندقية والتصويب بمهارة , لذلك أمسك بالبندقية وأصاب الهدف بدون تفكير .
إعتمد على ذلك بالخبرات المُخزنة في عقله الباطن , فلو أنَّه توقف ليُفكر في الأمر وفي كيفية إصابة الهدف , لأصابه هذا التفكير بالتشتت وعدم التركيز .
الوسطية في التفكير والتخطيط
فالوسطية مهمة جداً من أجل النجاح في أي أمر , فعليك أن تضع خطة محكمة لتنفيذ أي هدف , ثمَّ عليك باتخاذ قرار التنفيذ .
وإتخاذ قرار التنفيذ هو الحد الدقيق الذي يفصل بين تحقيق الهدف أو عدم تحقيقه .
فالجهل لا يُفيد في حياتك , لكنَّ الجهل أثناء تنفيذ المهام هو ما يُفيد .
والمقصود بالجهل أثناء التنفيذ هو أن تفصل عقلك عن أي أفكار أو مؤثرات تُشتت إنتباهك عن الهدف الذي تقوم بتنفيذه .
لا تُفكر إلَّا فيما تفعله الآن فقط , ولا تُفكر في وضع أي خطط , إفعل كما يفعل الطالب في إمتحانات السنة الدراسية .
فإنَّه يُذاكر المواد الدراسية قبل الإمتحان , وعند البدء في الإمتحان لا يمكن له أن يُذاكر , لأنَّ هذا هو وقت أداء الإمتحان فقط .
فعندما تؤدي عملاً ما إجعله للتنفيذ فقط , أمَّا وضع الخطط والتفكير فاجعلها مرحلة قبل التنفيذ وتنتهي مع بداية التنفيذ .
وعند مواجهة أي عقبة أو طرأ أمر يجعلك تُعيد التفكير فالإرتجال الصحيح هو ما سيُعينك .
فخطط واصنع الأفكار , وعند التنفيذ توقف عن الأفكار واجعل تركيزك على الهدف فقط .
تابعونا لقراءة العديد من المقالات الملهمة للنجاح في مدونة استيقظ