كان أحد الشباب يبحث عن معنىٰ النجاح وعن الطريق الذي يفتح له أبوابه , فلم يكن يعرف كيف ينجح ولا يعرف ما هو ماذا يعني النجاح .
وفي سبيل البحث عن النجاح قرر السفر إلى أحد الحكماء لكي يسأله عن كيفية تحقيق النجاح في حياته , وعن السر الذي يحتاج إليه لتحقيقه .
وصل الشاب إلى الحكيم بعد رحلة طويلة عانىٰ فيها الكثير من المجهود والتعب والألم والجوع والعطش ومصاعب الطريق .
وفور وصوله إلى هذا الحكيم سأله بدون تردد عن النجاح , فطلب منه الحكيم أن ينال قسطاً من الراحة ثمَّ يأتيه في الصباح ليدله على السر .
وبالفعل ذهب الشاب إلى الحكيم في الصباح وهو متحمس لمعرفة السر , ثمَّ سأله الحكيم عن سبب مجيئه إليه ….
فكرر عليه الشاب سؤاله عن النجاح وقال له :- أريد منك أن تذكر لي ماهو سر النجاح وتساعدني على تحقيقه .
فرد عليه الحكيم بكل هدوء قائلاً :- إنَّ الدوافع والرغبة هما سر النجاح .
فقال له الشاب :- ليست لدي الرغبة ولا أملك الدوافع للنجاح , لهذا جئتك أيها الحكيم , ألا تدلني كيف تأتيني الدوافع والرغبة على النجاح ؟!
فرد عليه الحكيم :- من رغباتك المشتعلة والقوية على تحقيق النجاح تتولد الدوافع , فيجب أن تكون لديك إرادة قوية على تحقيق هدف محدد في حياتك .
سأله الشاب :- وكيف تتولَّد لدي الرغبة القوية على تحقيق الاهداف , فانا ليست لدي هذه الرغبة المشتعلة على تحقيق أي هدف في حياتي .
إستنتج الحكيم من هذا الحوار أنَّ الكلام لن يجدي نفعاً مع هذا الشاب , لذا استأذن الحكيم الشاب بالإنصراف لعدة دقائق , ثم عاد ومعه وعاء كبير مملوءاً بالمياه .
ثمَّ وجه سؤالاِ للشاب قائلاً :- هل أنت متأكد من أنَّك تريد معرفة مصدر الاهداف والرغبات المشتعلة للنجاح ؟!
فأجابه الشاب بلهفة :- بالطبع أريد , لقد قطعت مسافات طويلة وخاطرت بحياتي من أجل أن آتيك وأعرف سر النجاح , بالطبع أنا أريد بشدة أيها الحكيم .
عندها طلب منه الحكيم أن يقترب من الوعاء المملوء بالماء وطلب منه أن ينظر بتمعن وتركبز في هذا الوعاء .
تحمَّس الشاب واقترب من الوعاء , ثمَّ بدأ ينظر بتركيز شديد في هذا الوعاء الذي فهم بأنَّ السر سيكون فيه , وأخيراً سيجد السر .
الصدمة من تصرف الحكيم

تفاجأ الشاب من الحكيم وهو يضغط على رأسه بكلتا يديه بمنتهى القوة , لكي يدخل رأسه داخل هذا الوعاء المملوء بالمياة .
مرت عدة ثوانٍ لم يتحرك فيها الشاب منتظراً أن يفرج الحكيم قبضته عن رأسه لكي يخرج من تلك المياه .
لكن الحكيم لايزال يضغط على رأسه لإبقائها في الوعاء المملوء بالمياه , بدأ الشاب بعد ثوانٍ معدودة بالإختناق , فقام بتحريك رأسه ببطئ لعله يستطيع إخراج رأسه .
لكنَّه تفاجأ بأنَّ الحكيم مازال يضغط على رأسه بقوة ليبقىٰ في هذا الوعاء .
ولما رأى الشاب إصرار الحكيم وزاد اختناقه , بدأ يقاوم الحكيم بشدة , حتى نجح في تخليص نفسه أخيراً من هذا الوعاء .
أخرج رأسه من الوعاء وبدأ يلتقط أنفاسه شيئاً فشيئاً , ثمَّ توجه إلى الحكيم وسأله وهو في قمة الغضب :-
ما هذا الذي فعلته بي أيها الأحمق ؟!
لقد كدت أموت غرقاً في هذا الوعاء , كيف تفعل هذا بي ؟!
سوف أشتكيك إلى أهل القرية ولن أفرط في حقي , سوف أعود إليك لكي أقتص منك , إنَّك مجنون …..
همَّ الشاب بالخروج من المنزل بالفعل , وقبل المغادرة ناداه الحكيم قائلاً :- لقد سألتني عن سر النجاح وقد أجبتك , لكنَّك لم تفهم بعد ….
توقف الشاب ونظر خلفه ليرى الحكيم هادئاً مبتسماً وكأن شيئاًلم يحدث , ثمَّ قال للشاب :-
قل لي ماذا تعلَّمت من هذه التجربة ؟ !
رد عليه الشاب بغضب :- لقد تعلَّمت من هذه التجربة أنَّك مجنون تريد قتلي غرقاً بالماء .
رد عليه الحكيم بنفس الإبتسامة والهدوء قائلاً :- لقد تعلَّمت الكثير من هذه التجربة , لكنَّك لا تسمح لنفسك برؤية أو فهم ذلك ….
لغز النجاح

لكن عندما واجهتك بمقاومتي لك استسلمت للوضع الراهن وتوقفت عن المقاومة .
أكمل الحكيم حديثه قائلاً :- في الثواني الأولى ورأسك داخل الوعاء أردت أن تخلص نفسك منه بحركات بطيئة وبسيطة برأسك .
بل عوضاً عن ذلك قمت ببعض الحركات البطيئة والخفيفة والتي لا طائل منها , وذلك في محاولة يائسة منك على إخراج نفسك .
فلم تكن حينها تملك الدوافع القوية على المقاومة وإخراج رأسك .
لكن بعد أن زاد إختناقك زادت لديك الدوافع والرغبات المشتعلة من أجل إخراج رأسك من هذا الوعاء وتخليص وإنقاذ نفسك .
عندها فقط زادت مقاومتك لي , وكل ثانية تمر ورأسك بداخل هذا الوعاء كانت رغبتك تزداد أكثر وأكثر , حتى استطعت في النهاية النجاح في تخليص نفسك .
وحينها أنا نفسي عجزت عن مقاومتك واضطررت للإستسلام أمام هذه الرغبة القوية منك على النجاة .
ولو أنني أحضرت معي رجلان أو أكثر من أجل إبقاء رأسك بداخل هذا الوعاء , فإنَّ رغبتك ومقاومتك ستزداد بصورة أكبر متحدية قوتنا جميعاً .
وهذه هي إجابتي على سؤالك أيها الشاب ….
هذا هو السر الحقيقي للنجاح في أي مجال من مجالات الحياة .
فإذا توافرت لديك الرغبة القوية على النجاح , فلن تستطيع أي قوة أو أي عقبة أن تمنعك من بلوغ هدفك مهما كانت .
الشاهد من القصة

الشاهد من هذه القصة هو أنَّ النجاح في الأصل عبارة عن رغبة قوية لتحقيق هدف ما .
فيجب أن تجلس مع نفسك وتفكر في ماضيك وحاضرك لكي تدرسه جيداً من أجل الوقوف على نقاط قوتك ونقاط ضعفك .
وبناءا عليه تقوم بتحديد عدة أهداف لك في الحياة , أو حتى هدف واحد فقط .
وهذا الهدف من أجل تسهيل تحقيقه , قم بتجزئته إلى عدة أجزاء , وكلما انتهيت من جزء انتقل إلى الجزء الذي يليه وهكذا ….. .
هذه التجزئه ستعمل على تحفيزك أكثر , فكلما أنجزت جزءاً كان ذلك تحفيزاِ لك للشعور بالنجاح الذي يتولد بداخلك .
هذا التحفيز الناتج من نجاحك في جزء ما من هذه الأجزاء , سوف يشعل لديك الرغبة على تحقيق الجزء التالي , وهكذا …………
كما سيجعلك تحب هذا الأمر كثيراً , وسيجعل رحلتك نحو تحقيق هدفك مجرد رحلة شيقة وممتعة , لأنَّك يجب أن تُحب ما تعمل حتى تعمل ماتحب .
وكل ذلك من أجل إشعال فتيل الرغبة لديك على النجاح , فمن أراد النجاح يجب أن تكون لديه رغبة جامحة على تحقيق هذا الهدف الذي يسعى لتحقيقه .
تخيل تحقيق هذا الهدف في عقلك أولاً , فهذا الخيال سيلهب مشاعرك أكثر على التمسك بتحقيق هدفك مهما واجهتك العقبات والازمات والتحديات .
علاقة نعيم الجنَّة بالنجاح

فالمسلم الفطن هو الذي يتخيل الجنَّة ونعيم الآخرة لكي يتحفز على بذل مجهود أكثر من أجل الطاعات والأعمال الصالحة .
فتخيل معي عزيزي القارئ نعيم الجنة كما ورد ذكره في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة , والتي تجعل المسلم يجتهد كثيراً من أجل تخطى مغريات الحياة .
فمهما واجه في حياته من مغريات أو تحديات أو متاعب أو مصاعب فسوف يبقىٰ على الطريق الذي ستكون نهايته النعيم العظيم في الجنَّة .
وكما قال رسول الله ( صلى الله علي وسلم ) في الحديث الشريف { القابض على دينه كالقابض على جمر } .
فإنَّ هذا الحديث فيه دلالة قوية على قوة الفتن في الحياة , وأنَّ مواجهتها تحتاج إلى قوة كبيرة جداً لمواجهة هذه الفتن والشدائد والمصائب والتحديات .
وتخيل نعيم الآخرة هنا يساعد المسلم الذكي بقوة على توليد هذه الرغبة القوية على التحدي والسير على الطريق المستقيم .
فكلما واجهته المحن تخيل نعيم الجنَّة والآخرة , كما يتذكر أيضاً عذاب الآخرة .
عندها تهون عليه العقبات والتحديات والآلام في سبيل غايته النهائية , وهي الجنَّة ونعيمها الخالد .
فالإنسان كالسيارة , كلاهما يحتاج إلى وقود من أجل التقدُّم للأمام .
فأمَّا وقود السيار فمعلوم , وأمَّا وقود النجاح في الدنيا والآخرة هو الرغبة القوية على تحقيق الهدف والغاية النهائية .
تابعونا لقراءة العديد من المقالات الملهمة للنجاح في مدونة استيقظ