طاقة النجاح والرغبة
طاقة النجاح والرغبة

تخيل أنَّ شخصاً ما يقوم بتوجيه سلاح إلىٰ رأسك ، ثمَّ يطلب منك أن تركض مسافة عشرة كيلو مترات في أقل من ساعتين .

وإن لم تفعل فسوف يقتلك ويقتل أسرتك بالكامل ، حتىٰ وإن ركضت مسافة العشرة كيلو مترات ولكن في وقت تجاوز الساعتين فسوف يقتلك ويقتل أسرتك .

إذاً مطلوب منك قهراً أن تجري لمسافة عشرة كيلو مترات , وأن يتم ذلك قبل نهاية الساعتين , وهذا ما يريده منك بالضبط الشخص الذي يحمل السلاح .

إذا كنت في نفس الموقف فماذا ستفعل ؟!

بالطبع أنت حينها ستضطر إلىٰ تنفيذ هذه الرغبة المجنونة التي يأمرك بها هذا المجنون ، أو على الأقل ستفعل المستحيل لكي تتفادى تنفيذ هذه الفكرة .

ولقد جربت أن تتملَّص من تنفيذ هذه الفكرة وتنقذ نفسك وعائلتك , لكن دون جدوى…….

والآن أنت مضطر لتنفيذ رغبات هذا المجنون بعد فشل محاولات التهرب منه ، ولن تستطيع أن تخاطر بعائلتك أكثر من ذلك , لأنَّ بعض المجانين يصوبون الأسلحة عليهم الآن .

إذا تعرض أحد لمثل هذا الموقف الإجباري المجنون فسوف يكون في قمة طاقته ، وسيقاتل من أجل تنفيذ هذه المهمة الإنتحارية .

قد تكون تعرضت عزيزي القارئ لموقف جعلك مضطراً أن تفعل شيئاً كان مستحيلاً بقدراتك ، لا يشترط أن يكون إضطراراً بالسلاح ، بل يكون إضطراراً بأمر آخر .

كمن يتعرض لموقف من شركة يقال له إن أنت قمت بتحقيق نسبة مبيعات مرتفعة عن النسبة الإعتيادية بفارق 50% فسوف نقوم بتحمل تكاليف جراحة إبنك المريض .

ماذا ستفعل حينها ؟!

هل ستهمل هذا الإتفاق أم ستقاتل من أجل تحقيق هذه النسبة من المبيعات ، في حين أنَّك بالكاد تحقق نسبتك المطلوبة منك ، أما الآن فمطلوب منك أكثر من ذلك .

الركض بإختيارك في مسابقة

الركض بإختيارك في مسابقة

تم الإعلان عن مسابقة للركض لمسافات طويلة بمقابل مغري ، جائزة مالية لمن يركض مسافة عشرة كيلو مترا في أقل من ساعتين ، وعلى من يرغب بالمشاركة سرعة التقدم .

نعم هي مكافأة مالية مغرية إلىٰ حد ما ، وشهرة كبيرة ستنالها ، لكن لياقتك لا تسمح لك ولا تريد أن تخاطر بصحتك بالركض لهذه المسافة الكبيرة جداً.

لذا فإنَّ أغلب الحال سترفض المشاركة إلَّا إذا كنت في أشد الحاجة للمال الذي ستناله في حالة فوزك في هذه المسابقة الشبه مستحيلة .

أغلب الحال أنَّك لن تغامر بهذه المسابقة الرياضية مهما كان المقابل المادي أو المعنوي .

وإن انت قمت بالمشاركة فهل ستفوز بها ام لا ؟!

في أغلب الأحوال سوف تفشل في هذه المسابقة لكونك غير مُدرب التدريب الكافي لهذه الرياضة الصعبة ، فهذه الرياضة تحتاج إلى الكثير من التدريبات و الترتيبات المسبقة .

تحتاج إلىٰ تدريبات قاسية منهجية ومتنوعة ، سواء تدريبات لياقة أو تقوية القدمين أو التدريب على الركض لمسافات طويلة ، علاوة على إتباع حمية غذائية محددة .

كل هذه التدريبات والإستعدادات يجب أن تخوضها من أجل أن تكون مؤهلاً للإشتراك في هذه المسابقة ، وبالطبع ليس هذا ضماناً لك بالفوز .

لأنَّ جميع المشاركين مدربين مثلك وربما أكثر ، ففرصة نجاحك في تحقيق هذا الإنجاز ليست مؤكدة على الإطلاق .

وعلى الجانب الآخر نجد الرجل الذي رُفع عليه وعلى أسرته السلاح , والذي لا يمارس سوىٰ رياضة المشي وصعود درجات المنزل والعمل ، قد يحقق هذا الإنجاز الذي يُعتبر مستحيلاً بقدراته .

صحيح أنَّه سيواجه مشاكل صحية نوعاً ما بعد تحقيق هذا الإنجاز ، لكنَّه سيكون استطاع تحقيقه .

إذا سألتك وقلت لك قبل إجراء الرجلين الركض ، من تتوقع له الفوز ، هل الرجل المتدرب أم الرجل الذي يريد إنقاذ نفسه وعائلته ؟!

إنَّ الإجابة الروتينية والمنطقية هي أن تجيب بأنَّ المتدرب له الفرصة الأكثر لتحقيق هذا الإنجاز .

لكن هذا ليس صحيحاً بصورة كاملة عزيزي القارئ .

لتدريب ليس هو العامل الذي يحقق النجاح المستحيل ، رغم أهميته القصوىٰ وأنَّه أحد الأسباب القوية ، لكن….

الإرادة هي ما تصنع النجاح

الإرادة هي ما تصنع النجاح

عامل الإرادة هو الأهم والأقوىٰ في هذا الأمر ، فالتدريب يصنع النجاح ، لكن الإرادة هي التي تصنع المستحيلات في كافة مجالات الحياة .

فالرجل المُدرب أمامه إختيار أن يفوز أم لا يفوز ، وذلك عن طريق عقله الباطن ، فعقله الباطن به خيار إمكانية الفوز ، وخيار إمكانية الخسارة .

ففكرة الخسارة مطروحة في الذهن ، وهي فكرة واردة الحدوث وعلى الجميع أن يكون مهيئاً للخسارة وفق قوانين الطبيعة والحياة .

والأهم بالبحث والدراسة هنا هو الشخص الذي يريد إنقاذ نفسه وإنقاذ عائلته ، فالأمر لديه مختلف تماماً ، حيث أنَّه لا يمتلك رفاهية الإختيار نهائياً .

وحيث أنَّه لا يمتلك رفاهية الإختيار فإنَّه مجبر على الفوز ، فعقله الباطن ليس به مساحة للخسارة ، ففكرة الخسارة غير واردة بعقله الباطن ، لأنَّه لا يمكنه أن يخسر .

إنَّ فكرة《 إمَّا أن أفوز وإمَّا أن أفوز 》 لها تأثير سحري قوي جداً ، هي فكرة تبرمج عقلك على عدم التفكير في إمكانية الخسارة على الإطلاق .

ورجال التدريبات العسكرية يتدربون وفق هذه النظرية , لأنَّ فكرة ورود الأخطاء في بعض التدريبات يُعني استشهاد باقي العسكريين في الكتيبة أو الفصيلة , مما يؤدي إلى خسارة المعركة .

فهذه االفكرة تخلق إرادة قوية جداً على الفوز ، هذه الإرادة تعمل على توليد طاقة عجيبة على تحقيق الفوز , هذه الطاقة لو أنَّك تدربت أعواماً عديدة لما استطعت أن تخرجها .

هذه االطاقة تسمىٰ الحافز ، وهذا الحافز النفسي له درجات ، فكلما زاد هذا الحافز زادت نسبة النجاح ، وهذا المتسابق الغير مُدرب كان لديه أقوىٰ حافز على الإطلاق …

حافز الحفاظ على حياته وعلى حياة عائلته ، صدقني هذا ليس وهماً عزيزي القارئ ، بل حقيقة وأنت أيضاً تعرضت لها ، لكن قصتك مختلفة عن قصة الرجل الذي يريد إنقاذ حياته وعائلته .

قصتك موجودة في ذاكرتك ، عليك أن تفتش بذاكرتك للوصول لهذه القصة ، وستجد العديد من القصص المتشابهة مع الرجل الذي يريد إنقاذ نفسه وإنقاذ عائلته .

إبحث عن الأشياء المستحيلة التي فعلتها أثناء تعرضك للخطر ، أشياء يستحيل أن تفعلها في حياتك الطبيعية ، لكن عندما واجهت خطراً حقيقياً وجدت نفسك أنَّك فعلتها بمهارة وإتقان .

إنَّ مشاعر الخوف ورغبة الحياة إن تم توجيهها بصورة صحيحة فسوف تحقق النجاح ، لكن رغبة الوجود أقوىٰ من هذا بكثير .

مفهوم رغبة الوجود للنجاح

مفهوم رغبة الوجود للنجاح

فرغبة الوجود لك أو عائلتك أو أحد من أحبائك تكون دافعاً قوياً لفعل المستحيلات ، ولا يشترط أن تكون رغبة الوجود قائمة على الحياة والموت .

بل رغبات الوجود متعددة ، فقد تكون رغبة الوجود على شكل وظيفة مبيعات مثلاً ، فإن لم تحقق نسبة المبيعات المطلوبة منك فسوف تكون آسفاً على عدم التحقيق .

وسوف تسعىٰ لتحقيقها فيما بعد ، لأنَّ هناك فرصة ، أمَّا إن كان الأمر مختلفاً بحيث إن لم تحقق نسبة المبيعات فسوف يتم فصلك من عملك ، والأصعب هو أن تكون مُيقناً بأنَّ لا فرصة لك لعمل آخر….

بالتأكيد سيكون الوضع حينها مختلفاً ، هنا الخطر وحافز الوجود سيعمل على تحفيز عقلك بصورة لا تدركها انت ، ستجد نفسك بصورة لا إرادية تبتكر أفكاراً ومجهوداً أقوىٰ .

وستجد أنَّك حققت نسبة المبيعات المطلوبة منك وربما أكثر ، ثم لا تدري لماذا لم تمتلك هذه القدرات من قبل ، والحقيقة أن قدراتك موجودة ……

لكن الأمر متوقف على كيفية إخراجها 《 أكون أو لا أكون 》هذه هي السر ، هذه هي مفتاح العقل الباطن الذي أخرج لك ما بجعبته بالكامل ، والأفكار بالطبع هي ماتولد الطاقة والإرادة على التنفيذ .

الصحابة ورغبة الوجود
الصحابة ورغبة الوجود

إنَّ حقيقة أنَّ الصحابة – رضوان الله عليهم – يقاتلون بالسلاح والكلمة والفكرة والعلم والنفس ، كان السر الأعظم لهذه الإنجازات والفتوحات ( إن لم نفعل فكيف تقوم للإسلام قائمة ودولة )

إنَّ خطر المشركين من جانب وخطر تحملهم مسؤولية نشر الإسلام من جانب آخر ، ومسؤولية أن قد لا تقوم للإسلام دولة رغم تبشير الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لهم .

كل هذه المخاطر جعلتهم يصنعون المعجزات التي يعجز العقل البشري على إستيعابها حتى الآن .

ولكن مع إستقرار الدولة الإسلامية بدأ التراخي الذي أدىٰ إلى صورة الإكتفاء ، مما أدىٰ إلى ضعف العزيمة وضعف الدولة..

الأزمات والمخاطر صنعت بهم المعجزات ، هذا مع الأخذ بالإعتبار التام إلى العامل الديني ….

وقد صدق من قال إن ( الأزمات تصنع الرجال ) ، لذلك تجد من يبدأ حياته من تحت الصفر يكون في قمة الهمة والعزيمة والإصرار ….

لأنَّه سيكون في معركة الوجود , وإثبات أنَّه موجود في هذه الحياة , ويريد إنتزاع حقه في هذه الحياة من الظروف التي جعلته بهذا الوضع المزري .

فرجل الأعمال الذي بدأ حياته من تحت خط الفقر , كان يباشر أعماله بكل طاقة وحيوية أكثر من الموظفين والعمال لديه .

ولكن بعد أن وصل إلى مرحلة الثراء والإستقرار المادي ، وأصبح لا هدف كبير يسعى لتحقيقه ، أصبح أقل نشاطاً وعزيمة وإرادة وإنتاجاً .

والسر في مقولة 《 أكون أو لا أكون 》بأنه أصبح موجوداً ومثالاً حياً ، فلما ذهب الخطر ذهبت العزيمة والإرادة والطاقة .

خاتمة

خاتمة

فدائماً إجعل نفسك جائعاً للنجاح ، فالشبع من النجاح والأهداف هو بداية التراخي والهزيمة .

فإذا كان لديك هدف فتعامل معه بمبدأ 《 أكون أو لا أكون 》واجعله هدفاً كبيراً تسعىٰ لتحقيقه .

وبعد تحقيقه إحتفل وكافئ نفسك ، لكن عليك أن تخلق هدفاً أكبر ، وهذا الهدف يجب أن تكون جائعاً بشدة لتحقيقه .

فالرغبة القوية لا يشترط لها المخاطر ، فإن كنت ليس في خطر فهذا ليس معناه أنَّك لا تستطيع أن تنجز المستحيلات …

فالجوع الشديد للنجاح هو حافز قوي جداً على تحقيق النجاح ……

لذا عش حياتك كلها بمبدأ《أكون أو لا أكون 》حتىٰ ولو كنت في قمة نجاحاتك , حتى تظل رغبتك قوية لفعل المستحيلات .

ولا تكتفي بإنجاز المطلوب لتحقيق النجاح , بل إصنع المستحيلات لإنجاز النجاحات العظيمة .

تابعونا لقراءة العديد من المقالات المُلهمة للنجاح في مدونة استيقظ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!