جلس مسعد يسترجع ذكرياته عندما افتتح شركته لبيع أجهزة الحاسوب , وكيف كافح من أجل أن يفتتحها , وكيف بدأ في إدارتها .
وبدأ يتسائل عن الأسباب التي أودت به إلى العمل موظفاً في إحدى الشركات براتبٍ شهري , بعد أن كان يُعطي الرواتب للموظفين العاملين بشركته .
بدأ بالإعتراف متأخراً بأنَّه السبب في هذا الإفلاس الذي حلَّ بشركته , وكانت الأسباب التي أودت به إلى هذه الحال كثيرة …..
فقد اعتقد أنَّه حقق النجاح بافتتاح الشركة وعليه أن يرتاح قليلاً , فكان لا ينتظم في الحضور للشركة يوميا , ويحضر لمقر الشركة في ساعاتٍ متأخرة إن حضر .
صاح الموظفين بفقدان العديد من العملاء , كما صاحو من أمورٍ يجب أن يتخذ فيها قرار , وصاحو من عدم حضوره لمباشرة أعماله .
كانت هناك أسباباً كثيرة أودت بالشركة إلى الإفلاس , هذا السبب يُعد من أهم الأسباب التي توصَّل لها بعد مراجعة نفسه كثيراً .
عدم دخول الكلية
وهو في طريقه إلى كلية العلوم الذي التحق بها منذ أكثر من شهر , يمر حامد من أمام كلية الصيدلة التي كانت حلمه ويسعى للإلتحاق بها .
دخل قاعة المحاضرة وجلس فيها شارد الذهن حزيناً على عدم إلتحاقه بالكلية التي كان يستعد لها منذ سنوات , وبدأ باسترجاع الذكريات والأحداث .
منذ عامين إلتحق حامد خلال الأجازة الصيفية بالعمل بإحدى الصيدليات المجاورة لسكنه , وقد أحبَّ هذا العمل كثيراً , وهو ما جعله يريد الإلتحاق بكلية الصيدلة .
كان عمله في الصيدلية في البداية بغيضاً له , لكنَّه كان مُضطراً ليُساعد نفسه في مصاريف الدراسة الثانوية , لكنَّ هذا البغض أو الكراهية تحول إلى محبة شديدة .
إمتلك خبرة في صرف بعض الأدوية , ونال إحترام الزبائن وتعاملو معه على أنَّه الطبيب القادم , كان الجميع يستبشر به خيراً بأنَّه سيلتحق بكلية الصيدلة .
فكان ينجح بتفوق في سنواته الدراسية , وجاءت السنة الثالثة ليرتكب خطأً فادحاً , فبسبب حبه للعمل في الصيدلية وتعايشه بأنَّ عمله بالصيدلية هو عمله الدائم القادم .
باستثناء أنِّه خطط ليفتتح صيدلية خاصة به بعد التخرج , وكان يخطط للسفر بعد التخرج لجمع المال الذي سيفتتح به الصيدلية .
وكان خطأه الفادح هو ثقته الشديدة بأنَّه سيحصل على مجموعٍ يؤهله لكلية الطب , لكنًّه سيلتحق بكلية الصيدلة , وهذه الثقة هي التي دفعته لإرتكاب هذا الخطأ .
فقد أصرَّ على إستكمال العمل بالصيدلية أثناء دراسته في السنة الدراسية الثانوية الأخيرة , وهذا أثًّر على تحصيله الدراسي , مما أدى إلى تدهور دراسته .
هذا التدهور لم يكن يراه ولا يعتقد بوجوده رغم تحذير الجميع له , وهو ما أدى به إلى حصوله على مجموع لا يؤهله للكلية .
لم تتزوج حتى الآن
ذهبت زينب مع صديقاتها إلى حفل زفاف أخت إحدى صديقاتهن , ووصلن إلى القاعة التي سيُقام بها حفل الزفاف .
جلست زينب مع صديقاتها اللائي كُنَّ يحتفلن بجوارها بزفاف أخت صديقتهن الصغرى , وكانت ترى تعابير فرحتهم المُتحفظة بعض الشيئ مراعاة لمشاعرها .
لم ترتكب أي من صديقاتها الخطأ الذي يُزعجها دائماً والمُتمثل في الجملة الشهيرة , عقبالك يازينب , أو متى سنفرح بكي يازينب ؟
زينب التي تخطت الخامسة والثلاثين من عمرها جلست صامتة وهي ترى أبناء وبنات صديقاتها , فجميع صديقاتها متزوجات ولديهن أبناء .
كانت زينب أجمل بنات دفعتها الدراسية , وكانت أكثر فتيات دفعتها ثراءاً بسبب كون والدها تاجراً كبيراً .
ولكن هذه المزايا التي تمتعت بها كانت سبب شقاءها وتعاستها الآن , فبسبب مستواها المادي , وبسبب جمالها وكثرة خُطابِها , كانت ترفض جميع الخُطاب .
وكانت تضع الشروط لإختيار زوجها المُستقبلي , ومن ضمن الشروط وأهمها المستوى المادي للزوج المستقبلي .
فكانت تقول للجميع أنا لن أقبل بمستوى مادي أقل مما أنا فيه الآن , وكان هذا شرطاً ليس مستحيلاً , فقد تقدَّم لها الكثير من الأغنياء .
إلَّا أنها كانت ترفضهم جميعاً , وهذا ليس بسبب أنَّ والدها شديد الثراء , وتريد مستوى مادي أفضل .
لكنَّ المشكلة كانت في مواصفات الزوج الشكلية والجسدية , ونوعية عمله .
والنتيجة :- أنَّها الآن تخطَّت الخامسة والثلاثين بدون زواج , ومن كُنِّ أقل منها حسباً ونسباً وجمالاً هُنِّ الآن أمهاتٍ وزوجاتٍ ناجحات .
لماذا هذه القصص
هذه القصص الثلاثة هي بمثابة محاولة لشرح حالة ضياع الفرص التي نُضيعها في حياتنا اليومية بصورة كارثية .
كم ضيعنا من فرصٍ لو أننا تمسكنا بها ولم نفلتها لتغيرت حياتنا كثيراً عمَّا نحن عليه الآن ؟
في هذا المقال أنا لا أُطالبك بالتحسر والندم على مافات , فأنا لا أُحبذ الحزن على الماضي أو التفكير فيه إلَّا لنأخذ منه العبرة والعظة .
وقبل أن تُكمل قراءة المقال عليك أن تؤمن تماماً بأمرين :-
الأوى :- أن تؤمن بقضاء الله وقدره لك في كل أمورك , وأنَّه تعالى إذا حرمك شيئاً تريده , فإنَّ الخير فيما أراده الله تعالى لك .
الثاني :- أن تؤمن بضرورة السعي في حياتك مادمت حياً , فاسعى دائماً لتغيير واقعك للأفضل بدون توقف .
وقد تعتقد أنَّ ماطلبت أن تؤمن به أمران متناقضان , فكيف أُطالبك بالرضا والقبول بقضاء الله , ثُمَّ أُطالبك بالسعي لتغيير الواقع ؟
هذا سؤال جيد , ولكن لا يوجد أي تناقض على الإطلاق , فأنت مُطالبٌ أن تسعى باجتهاد شديد وتبذل كل الحلول والأفكار والإمكانيات لتغيير واقعك .
فإن تحقق لك ما تُريد فمباركٌ لك هذا النجاح , وإن لن يتحقق فكن مطمئناً حينها بأنَّك أردت أمراً وأراد الله لك أمراً آخر , فحينها عليك أن تسير حسب إختيار الله لك .
أسباب ضياع الفرص الثلاثة
مسعد كان يمتلك شركة يحلم بها آلاف الشباب أمثاله , لكنَّه آثر الراحة واعتقد بأنَّه فعل مايتوجَّب عليه فعله مُكتفياً بذلك .
أضاع من يده فرصة ذهبية لو أنَّه أحسن استغلالها جيداً وكرَّس مجهوده لهذه الشركة , لأصبحت الشركة الآن في توسعٍ ولها العديد من الفروع .
إنَّ رجال الأعمال الذين يُفكرون في التقاعد أو في الحصول على الراحة لا يفعلون كما فعل مسعود , بل يجب أن يتأكدون من إستمرار الشركة بعد التقاعد .
فيضعون ثقتهم في إدارة حكيمة ومؤهلة لتحمل المسؤولية , وهو يُباشر العمل إشرافياً فقط بموجب خطة يتم العمل بها .
أمَّا مسعود فقد خطى أولى خطواته فقط واعتقد بأنَّها كافية , ولو أنَّه أمعن التفكير قليلاً لتوصَّل إلى كارثية هذا القرار .
وأمَّا حامد فثقته بأنَّه سيحصل على المجموع الكافي لدخول الكلية كان سبباً في ضياعه , والثقة بالنفس مطلوبة لكن بفاعلية .
لأنَّ الثقة الفعالة هي التي تأتي بالوسطية , فإن زادت الثقة عن القدر المعقول أضرَّت بصاحبها وأهلكته .
وبسبب ثقته المبالغة طبقاً لمجموع السنوات السابقة , فإنَّه أهمل في العام الثالث وأصرَّ على العمل بالصيدلية , والعمل أمرٌ عظيم نحبذ الشباب عليه .
لكن وجب الحذر فيما وقع فيه حامد , فيجب أن تتأكد أولاً إن كنت ستستطيع التوفيق بين أمرين أم لا .
فكونك نجحت في أمرٍ ما , فهذا لا يعني أنَّك ستنجح فيه إن أضفت عليه واجبٌ جديد , فالعقل إن تشتت في أمرين مختلفين كانت النتيجة ضياع أحدهما أو كلاهما .
وأمَّا زينب التي وضعت الشروط لاختياز الزوج المناسب لها , فقد أضاعت على نفسها فرص كثيرة , قد تكون أحدهما زوجاً أفضل بكثير مما تتمناه .
فعقلنا قد يختار أمور ناقصة بمعيارنا , فكل إنسان يرى بحسب رؤيته الخاصة .
فمن يرتدي نظارة شمس لن يرى ما حوله بنفس رؤية من لايرتدي نظارة شمس , ومن يرتدي نظارة شمس مُتسخة لن يرى مثل من يرتدي نظارة شمس نظيفة .
فزينب قد توافق على زوج تجده رجلاً ناجحاً ملتزماً وتقبل به , ثمَّ بعد المعاشرة الحسنة تعاتب نفسها على حماقة الشروط التي وضعتها .
فقد يرزقها الله من هو أفضل بكثير من الذي تريده بشروطها , لكنَّها أحجمت رؤيتها عن أي خاطبٍ حتى أصبحت في سنٍ يأبى أن يتقدَّم لها أحد .
الخاتمة
فأنت الآن عزيزي القارئ تمتلك فرصٍ كثيرة إن لم تستغلها الآن وتتمسلك بها فلن ينفعك الندم عن فقدانها في المستقبل .
ففكرة واحدة قد تقلب حياتك رأساً على عقب , لذلك لا تتردد في أخذ المشورة والنُصح من أهل الخبرة والحكمة في الحياة .
ولا تلكأ للراحة الآن , فمن عاش الآن مرتاحاً عاش بقية حياته كلها شقاء .
إتعب الآن لكي ترتاح غداً , فإن اخترت الراحة الآن فتهيأ للشقاء والتعاسة في المستقبل .
واسعى وأنت متوكلاً على الله تعالى , وتسلَّح بحسن الظن بربك دائماً , فهو سيوجهك للخير مادمت ساعياً
أنس النجار
تابعونا لقراءة العديد من المقالات الملمة للنجاح في مدونة استيقظ