أعظم ماتقدمه لأولادك هو أن تُقدِّم لهم الحياة , بأن تفتح لهم أبواب الحياة ليأخذو منها حظهم وأرزاقهم ومستقبلهم وأهدافهم وبناء إرادتهم وأفكارهم للنجاح في هذه الحياة .
وهذا لا يحدث بالخوف المبالغ عليهم , كما لا يحدث بالرعاية المفرطة لهم , أو بالحنان المفرط لهم , أو بتلبية رغباتهم وإحتياجاتهم بصورة سلبية .
فالمحبة والحنان والرعاية للأولاد هي أمانةأودعها الله لك , عليك أن تؤدِها بكل أمانة وإتقان , وعليك أن تحتوي أولادك بكل محبة وحنان ورعاية , لكن عليك أيضاً أن تُهمل قليلاً في رعايتهم .
فقبل البدء في المقال يجب التنويه على التفرقة بين تربية الأبناء الصبيان وبين الفتيات ( الذكور , الإناث) , فالفتيات لهن طبيعة خاصة ولهن من الدلال والمحبة الجانب الأكبر .
وفي هذا المقال سيكون الحديث حول العلاقة بين الآباء والأمهات بأبنائهم الذكور , وبالأخص العلاقة بين الآباء وأبنائهم الذكور بصفة أكبر .
أهمية الأب في تعليم الأطفال الكلام

فالأب له عامل هام جداً منذ الصغر , فمن خلال الأب يتعرَّف الطفل سواء كان ذكراً أم أنثى على مصطلحات اللغة العامة في مرحلة النطق .
بمعنى أنَّ الطفل في مرحلة بداية نطق الكلمات تتعامل معه الأم بمصطح هذا الطفل , فشرب الماء للطفل له نطق خاص به , ولكثرة تعامل الأم مع الطفل فإنَّ الأم تتحدَّث مع الطفل بلغته الخاصة .
أمَّا الأب فإنَّه يقضي أغلب وقته في العمل , وليس لديه الخلفية الكاملة بجميع مصطلحات طفله , فيتعامل مع الطفل بمصطلحات العامة , مثل إشرب الماء .
فلا يقول إشرب الماء بمصطلح ومفهوم الطفل كما تفعل الأم , بل يقولها بالمفهوم العام , وهذا قد يكون سببه جهل الأب بمصطلح الطفل لشرب المياة , وإن كان هذا الجهل له فائدة .
فحتى إن لم يكن الأب جاهلاً بجميع مصطلحات الطفل , فالأولى أن يتحدث الآباء والأمهات مع أطفالهم باللغة الطبيعية بين الحين والآخر .
وقد أثبتت الدراسات العلمية بأنَّ التحدث مع الطفل حتى ولو كان عمره أقل من عام , له فوائد عظيمة على ذكاء الطفل وثقافته .
فإنَّ عملية إستقبال الكلمات تعمل على زيادة نشاط الدماغ للطفل من أجل إستيعابها , كما أنَّها تعجل من فرص إكتشاف الطفل لمصطلحات البيئة الخاصة به .
وهذا يساهم في تنمية وعي الطفل منذ الصغر , وهذا ما سيعود عليه بالنفع الكبير بعد عدة أعوام , حيث لن يكون استقبال معالم الحياة ومستجداتها صعباً عليه .
من هنا تأتي أهمية الأب في جعل الطفل يكتشف الكلمات والمصطلحات الطبيعية لأي مجتمع .
كيفية تنمية الأبناء بالإهمال

ونعود إلى الهدف الرئيسي من هذا المقال , وهو ضرورة إهمال الآباء والأمهات لأبنائهم , والإهمال هنا ليس مُطلقاً , بل هي نسبة بسيطة لتوازن الحياة لدى الطفل .
بمعنى أنَّ الطفل يجب أن يبدأ الإعتماد على نفسه بالتدرج خلال مراحله العمرية , فطبيعي أنَّ الأم تهتم بنظافة وترتيب غرفة نومه في أول عامين .
لكن بعد ذلك يجب أن يتم إقحامه في المساعدة بترتيب الغرفة , وأن يكون ذلك بالتشجيع والترغيب وليس بالترهيب , حتى يكون محباً للتنظيم والنظافة بصفة عامة .
فشيئ بسيط جداً كهذا قد يؤثر على شخصيته مدى الحياة , بأن يعتاد على أن يكون مكتبه في العمل منظماً حينما يكبر , وسيكون منظماً في كل شيئ .
كذلك الأمر عند الشراء , فإذا صحبت الطفل لشراء أي شيئ , يجب إعطاءه مساحة يتعامل بها مع البائعين أو موظفي الحسابات , لكي يعتاد التعامل مع الآخرين , ويتعرَّف على طبيعة الحياة العملية
وكلَّما كبُر سنه إعطه بعض مسؤوليات المنزل , فإذا كنت تقوم بإصلاح حوض المطبخ مثلاً لا تتركه يجلس وأنت تعمل , هذا لا علاقة له بالتحكُّم في تصرفاته , بل هي للتوعية .
لذلك قم بإشراكه معك في العمل على حسب قدرته على التحمُّل , وإن احتجت شراء ماتحتاجه للإصلاح دعه يقوم بعملية الشراء .
كيفية التصرف مع الأطفال عند البلوغ

وعند بلوغه مرحلة الثانوية إبدأ معه مرحلة التعرُّف على الآخرين , إصطحبه معك في الجلسات الرجالية المتنوعة , دعه يتحاور ويكتسب خبرة منهم , وعلمه أهمية الإنصات , ومتى يصمت ومتي يتحدث .
دعه يتعرَّف على الآخرين وحفِّز فيه روح حضور المناسبات العامة كالأفراح أو الذهاب لأداء واجب العزاء في حالة الوفاة .
إجعله سفيرك لحضور بعض المناسبات التي لا تستطيع حضورها , وعند الإعتذار عن هذه المناسبة تحدَّث مع روادها وقل لهم سوف يحضر إبني نيابة عني .
شعور إبنك بأنَّه يحل محلك أمام الناس وتعامل الناس معه على هذا الأساس له تأثير قوي جداُ على بناء وتعزيز شخصيته , وهذا ما سيؤثر بقوة على نجاحه في الحياة والدراسة .
وعند دخوله الجامعة عزز الرجولة والمسؤولية بداخله بتحمله مسؤولية نفسه , فحتى لو كنت شديد الثراء , فالأصلح لإبنك أن تدفعه للعمل وأن يتحمَّل مصاريفه الجامعية .
لا تُدلل إبنك بالمال ولو كنت أغنى أغنياء أهل الأرض , ودعه يتصرَّف في الدخل المادي الذي يحتاجه عن طريق العمل بوظيفة تكن أنت مطمإن لها .
فلا تتركه يعمل في أي مشروع سريع الربح وهو حرامٌ أو ممنوع أو أي وسيلة من الوسائل التي تجر شبابنا إلى الفساد والضياع .
وإن كنت صاحب مشروع فاجعله يعمل فيه كموظف عادي أو عامل بسيط , لا تسمح له بأن يشعر بأنَّه ابن صاحب العمل , واطلب من الموظفين تعليمه ومعاملته كموظف عادي .
هذا من أجل أن يتعامل جيداً مع الناس ويتعلَّم مواجهة صعوبة الحياة , فيجب أن يرى الحياة بدون الإعتماد عليك , كما أنَّ هذا سيساعده كثيراً على تعلُّم طبيعة العمل .
فعندما يحين وقت إدارته لهذا المشروع سيكون قد تعلَّم كل شيئ بكل وضوح , لأنَّ الجلوس على المكاتب لن يكفي لتعليمه كل شيئ .
وهذا سيساعده بعد التخرج من الجامعة , فسيكون حينها قد اكتسب خبرة في الحياة العملية , وهي مختلفة عن الحياة الجامعية تماماً .
وسيكون قد اشتد عوده على مواجهة الأزمات والعقبات , ولديه من الصلابة والخبرة ما يؤهلانه لمواجهة صعوبات الحياة .
وبعدها سيكون رب أسرة ناجح , ورجل ناجح في حياته , وهكذا يُصنع الرجال , حيث تصنعهم الأزمات والمواقف .
وهنا وجب التنويه :- دع إبنك يعيش طفولته وشبابه كباقي جيله , لا أطلب منك أن تحرمه من اللعب في طفولته أو المرح في شبابه .
فالأمر نسبة وتناسب , أغلب الفاشلين كانو مدللين زيادة عن اللزوم , كما أنَّ أغلب الفاشلين هم شباب أصابهم الإكتئاب بسبب التحكُّم الشديد من آبائهم وأمهاتهم .
فالأمر يكون بالإعتدال والتوازن بين الحزم واللين , فمثلاً إجعل اللين 50% والشدة 50% .
وعليك أن تعرف جيداً مايستوجب الحزم وما يستوجب اللين , ومايستوجب الجمع بينهما , ولا تخلط الأمور ببعضها فيحدث مالا يُحمد عقباه .
كما يجب أن تتخير الأوقات التي تتركه يلعب ويلهو , والأوقات التي يجب أن يعمل بها سواء في البيت أو في العمل خارج المنزل .
التربية هي توعية الأطفال بالحياة

فالتربية ليست بإطعام الأطفال وكسوتهم , بل بتعريفهم معنى الحياة وكيفية الكفاح والنجاح فيها , والإرشاد للخطأ والصواب دون مبالغة .
فلا تعتاد التوجيه المتكرر لأبنائك , لأنَّ لتوجيه المتزايد يخلق فجوة كبيرة بين الأبناء وبين آبائهم وأمهاتهم , وتجعلهم يشعرون بأنَّهم في معسكر دائم يتلقون فيه الأوامر .
وهذا سيكون له نتائجه العكسية والخطيرة جداً , فاحذرو جيداً من المبالغة في التوجيه والإرشاد .
وجههم أيضاً للقراءة وحببهم فيها , فهي وقود نجاحهم في هذه الحياة , والأهم أن تعلمهم كيفية التقرب إلى الله تعالى .
وهذا التوجيه يكون بالترغيب , عن طريق شرح ما سيحصدونه من القراءة والتقرب إلى الله تعالى في حياتهم الدنيا وفي الآخرة .
علمهم أنَّ الدنيا أياماً معدودة , والآخرة سنوات لا محدودة , واليوم في الآخرة يعادل آلاف الأعوام من أعوامنا , كما قال الله تعالى { تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }
فهل يُعقل أن نضحي بخمسين أو ستين أو حتى مائة عام سنحياها من أجل آلاف الأعوام في الآخرة , وليس آلاف الأعوام فحسب , بل الخلود , فأيهما أولى , مائة عام أم الخلود ؟!.
بالطبع الدار الآخرة هي دار المقام , وجميعنا ضيوف في هذه الدنيا , ويجب أن تكون كأب أو أم حريصان على نجاة وسعادة أبنائكم في الدنيا والآخرة .
علموهم أن يعيشو وهدفهم الأعظم رضا الله تعالى والفوز بالجنة والنجاة في الآخرة .
وعلمهم أيضاً أنَّ النجاح في الدنيا عبادة , لأنَّ الله تعالى خلقنا خلفاء في هذه الأرض لنعمرها , فكل نجاح في الحياة جعلت الله رقيبك فيه , سوف يكون له وزنٌ عظيم في الآخرة .
فالنجاح ضروري في الحياة , والفوز بالجنَّة يجب أن يكون هدف , ولا خلاف بينهما كما يعتقد الكثير .
فكثير من الناس يعتقدون أن التقرب إلى الله يكون بعدم النجاح في الحياة والسعي فيها والإبتعاد عن الناس , وهذا هو الزهد الخاطئ .
فالزهد الحقيقي هو أن تكون مالكاِ للدنيا لكن لا تملك الدنيا قلبك , هذا هو الزهد الحقيقي .
وامتلاك الدنيا لا يكون إلَّا بالنجاح في كافة مجالات الحياة , فعليك أن تجعل إبنك يختار مجالاً لكي يتفوق فيه .
سواء في اللطب أو الهندسة أو التجارة أو السياسة أو الرياضة أو الصناعة أو المهن اليدوية أو أي حرفة أو هواية , بمعنى أي عمل لا يبعدك عن الله تعالى .
فلا يشترط لأن يتقرب إلى الله أن يكون داعية فقط , بل كل عمل يقوم به بإخلاص ويرجو به رضا الله وينفق منه على أسرته بالحلال , هو أعظم ما يتقرَّب به من الله تعالى .
تابعونا لقراءة العديد من المقالات الملهمة للنجاح في مدونة استيقظ