التفكير والتخطيط الجيد لكل أمورك هو من أهم الأشياء التي يجب أن تفعلها في حياتك من أجل تحقيق أهدافك وبلوغ النجاح .
لكن ماذا لو قلت لك بأنَّ التفكير قد يكون سر فشلك في حياتك , وقد يكون سبب تحطيم أحلامك وأهدافك .
أصابتك الدهشة مما قلته في الفقرة السابقة ؟
لا تتعجَّلْ وتابع المقال للنهاية , وسوف تجد الإجابة على هذا السؤال , وعلى العديد من التساؤلات التي تدور في ذهنك الآن .
قصة للتوضيح
شابٌ طموح لديه حلم يسعى لتحقيقه , هذا الحلم أو الهدف عبارة عن إفتتاح سلسة معارض للسجاد .
كانت لديه خبرة عمل طويلة في هذا المجال , فقد كان يعمل في المبيعات لإحدى المعارض الخاصة لبيع السجاد .
وكان يمتلك قطعة أرض ورثها عن والده , هذه الأرض قام ببيعها بعد أن نال الخبرة الكافية للإستقلال وافتتاح معرضه الخاص .
وبالفعل نال مراده بهذا الإفتتاح , وبدأ بقمة الحيوية والنشاط والتفاؤل ساعياً لجلب أرباح كثيرة من المعرض من أجل تحقيق حلمه .
فلم يكن إفتتاح المعرض هدفه النهائي , بل كان وسيلة لهدفه الأكبر , وهو إفتتاح سلسلة معارض كبيرة .
ولكي يُحقق هذا الهدف عليه أن يعمل على معرضه بمنتهى الجدية والإتقان لكي ينتقل إلى مكان أكبر للتوسُع .
حيث يريد أن يكون المعرض مولاً كاملاً مُتخصصاً لعرض السجاد الخاص به فقط.
فهو يريد أن يكون المعرض عبارة عن مول متخصص للسجاد , ثم يتوسع ليكون المول الواحد عدة مولات متفرقة .
كانت أفكاره مُبرمجة بفكرة المولات التجارية للسجاد , وكانت هذه الصورة لا تُفارق خياله نهائياً , نهاراً أو ليلاً أو حتى في أحلام نومه .
إفلاس الشاب
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن , ويُعلن هذا الشاب إفلاسه ويُغلق المعرض المتواضع الذي افتتحه بحيوية ونشاط .
إنَّ النهاية لم تكن سعيدة له بكل تأكيد , لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن …..ماذا حدث لهذا الشاب ؟!!
اللغز ياعزيزي القارئ يكمن في الإفراط الفكري , فكما تحدثت في بداية المقال عن أهمية التفكير للنجاح , فإنَّ التفكير قد يكون سبباً في الفشل .
وما أُعنيه هنا هو الإفراط في التفكير والتخيل وأحلام اليقظة , فإنَّ أحلام اليقظة هي التحفيز والوقود الذي يحركنا نحو تحقيق أهدافنا .
لكنَّ العيش داخل صندوق أحلام اليقظة لفترة أطول من الطبيعي هو إنتحارٌ فكري ونفسي , وهذا مافعله الشاب صاحب معرض السجاد .
فإكثاره من التفكير في هدفه الأعظم , وهو إفتتاح سلسلة مولات للسجاد , هو ما جعله ينتشي بنشوة إنتصار زائف .
جعلته يتعايش مع واقع إفتراضي مُعاكس تماماً لواقعه الحقيقي , فأصبح بين طريقين لا ثالث لهما .
الطريق الأول هو أحلام اليقظة :- التي تحولت من دافع لتحقيق هذا الهدف إلى واقع يتعايش بداخله ويشعر بداخله بالفخر والسعادة والإنجاز .
ما أدى في النهاية إلى الإهمال في معرضه , لأنَّه في خياله قد اكتفى وحقق النجاح , فلماذا يُجهد نفسه
- كيفية توجيه العقل نحو النجاح
- خمسة أشياء تطرد السعادة من حياتك
- صناعة العبقرية والنجاح المتميز
- ابحث عن الكنز الذي بداخلك
- أسرار النوم للصحة النفسية والعقلية والجسدية
الطريق الثاني هو واقعه الحقيقي :- هذا الواقع هو معرضه الذي افتتحه , والذي كان يُحقق أرباحاً معقولة كمبتدئ في التجارة المستقلة .
فعقله أصبح بين إختيار أحد الطريقين , ولإفراطه في التعايش مع الطريق الأول , فإنَّ العقل الباطن يركن إلى البساطة والسعادة أيضاً .
فاختار الطريق الأول , طريق المليونيرات وسلسلة المعارض , وهذا الإختيار جعله ينسحب شيئاً فشيئاً من واقعه الحقيقي .
فرُغم تحقيقه للأرباح , إلَّا أنَّها لا تكفي أو تُعادل أحلام يقظته , فرفض هذا الواقع الذي يتعايش فيه من أجل الواقع الإفتراضي الوهمي .
أحلام اليقظة والإدمان
إنَّ حالته تُشبه حالات وهم السعادة الإفتراضية التي يحصل عليها المُدمنين , فتجعلهم يكرهون الواقع ويتهربون منه بتعاطي المواد المُخدرة التي تُفقدهم الإحساس بالواقع .
فالمدمن تجده يرفض المجتمع والحياة ولا يرى سعادةً ولا أملاً إلَّا بالتعاطي , فهذه الدقائق من النشوة الزائفة هي هدفه الأعظم من الحياة .
لا تتعجَّب عزيزي القارئ من التشبيه بين هذا الشاب وبين مُدمن المخدرات , فإدمان المخدرات هي حالة إنتشاء فكري عارض .
وهذه الحالة لا تحدث بالتعاطي فقط بل بالأفكار , فالأفكار أخطر من التعاطي على العقل , وإن كانت الأضرار الصحية للتعاطي أعظم بالطبع .
لكنني أتحدَّث عن النجاح والفشل الذي دفع هذا الشاب أن يرفض واقعه الذي يحلم به آلاف الشباب أمثاله .
ليلجأ إلى عالم إفتراضي وهمي , كان يستطيع أن يُحققه لو أنَّه اعتدل في أفكاره وأحلامه .
فقانون الحياة بأنَّ إهمال التفكير وعدم وجود الحافز بالتخيل يؤدي إلى الفشل , والإفراط فيهما أيضاً يؤدي إلى الفشل , فلابد من الإعتدال بينهما .
البدء بأفكار جديدة
وهذا حدث لنفس الشاب بعد فترة من السفر بالخارج , وقد جمع ثروة معقولة تؤهله لافتتاح معرض للسجاد , لكن بأفكارٍ مختلفة .
لقد تعلَّم الدرس جيداً وعلِمَ أنَّه أفرط في التخيل وتعجَّل في النتيجة , فبدأ بتخطيطٍ جديدٍ على خطواتٍ مُتلاحقة .
الخطوة الأولى هي الإهتمام بالمعرض عملياً وواقعياً , والتفكير الوسطي في حلمه لتأسيس سلسلة مولات للسجاد .
فقد وضع لنفسه نفس الهدف , وهو أن يمتلك سلسلة من المولات الخاصة لبيع السجاد في عدة مناطق متفرقة .
ولكن الخطة إختلفت هذه المرة , فقد كرَّسَ وقته وجهده لهذا الفرع البسيط , لكي تنمو أرباحه أولاً .
ثمَّ بدأ بإقتطاع جزء من الأرباح للتوسع في المعرض وافتتاح معرض أكبر , وفعل نفس الأمر في هذا الفرع الجديد .
حتى وصل في النهاية إلى أول درجات أهدافه الكبرى بافتتاح مول تجاري للسجاد .
وقد علم بأنَّ إفتتاح مول من تجارة السجاد فقط لن تكفيه , فاتجه للإستثمار في أنشطة أخرى لكي يُزيد من أرباحه التي تؤهله لامتلاك أول مول تجاري له .
وما أن افتتح أول مول له توسَّع أكثر وأكثر ليفتتح المول الثاني , وهكذا توالت النجاحات وتحققت أحلامه في النهاية .
فهذا الشاب كان عليه أن يتخلَّى قليلاً عن أحلام يقظته وتخيلاته , لكي يستقيم له الواقع العملي مع أهدافه التي يسعى لها .
وكان عليه أن يُخزِن هدفه الأعظم ويجعله كجيش الإحتياط عند هزيمة الصفوف الأولى .
فالهدف الأعظم وهو سلسلة المولات كانت الحافز له , فكلَّما تعرض لأزماتٍ أو عقبات لجأ إلى تخيل هذا الهدف من أجل التحفيز والإستمرار .
ثمَّ بعد أن يتحفَّز لمواجهة هذه العقبات يُنَحي هذا الهدف جانباً ليتسع الطريق للجهد والعمل والواقعية فقط .
التفكير والآخرة
وهذا الأمر يحدث أيضاً عندما يتخيل أحدنا الجنَّة ونعيمها كما وصفها لنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
وهذا أمرٌ محمود لكي يُعيننا على طاعة الله عز وجل , لكنَّ الإفراط في التفكير بنعيم الجنَّة سيقودنا إلى حتمية مصيرنا في الآخرة .
فقد يقود هذا الإعتقاد أحدنا إلى التكاسل عن العبادات بحجة أنَّه من أهل الجنَّة , فإفراطه في التفكير عن الجنَّة جعله لا يرى سوى الجنَّة .
وجعله يعتقد أنَّه مهما فعل من ذنوبٍ وآثام فسوف يدخل الجنَّة حتى ولو ارتكب كبيرة من الكبائر , والدليل على زعمه هذا هو قوله تعالى ( إنَّ الله غفورٌ رحيم ) .
لكنَّه نسي أيضاً قوله تعالى ( إنَّ الله شديد العقاب ) , ولو إعتمد على أن الله شديد العقاب وليس غفور رحيم , لأصبح متباعداً عن طاعة رب يعذبه فقط .
لكن لو اعتدل تفكيره بين الآيتين لنال الجنَّة في الآخرة بإذن الله تعالى , لأنِّه لن يعتمد على أنَّ الله سيدخله الجنَّة بدون حساب .
فالإعتدال في فكرة واحدة قد تعمل على تغيير حياتك كلياً , وقد تكون سبباً في سعادتك أو شقائك في الدنيا والآخرة .
فإذا كان لديك هدفٌ أكبر تسعى لتحقيقه فاحتفظ به عند الحاجة للتحفيز أو التذكير حتى لا تتوقف عن العمل والتنفيذ .
لكن لا تتعايش مع هذا الحلم حتى لا يصبح كإدمانٍ يدفعك لإعتزال الحياة والمجتمع , وتعيش في واقعٍ وهمي لن يعود عليك إلَّا بالتعاسة والفشل .
أنس النجار
تابعونا لقراءة العديد من المقالات الملهمة للنجاح في مدونة استيقظ