لماذا لست سعيدا بنجاحي
لماذا لست سعيدا بنجاحي

 خالد منتصر هو شابٌ من أسرةٍ بسيطة , لكنَّه طموحٌ جداً ويُجيد التخطيط وتنفيذ مخططاته بمهارة شديدة .

تخرج من كلية التجارة بتفوق , وكان يعمل في شركة لبيع الأجهزة الألكترونية أثناء دراسته .

وبعد التخرج سافر إلى إحدى الدول العربية للعمل في إحدى شركات تجارة الأجهزة الإلكترونية .

وبعد عدة أعوام استقر في بلده وافتتح شركة خاصة به , وكعادته فأحلامه لا تتوقف أبداً .

ففي البداية كان حلمه العمل في شركة كبيرة في الخارج من أجل اكتساب خبرة في هذا المجال , ومن أجل جمع أكبر قدر من المال ليفتتح شركته الخاصة .

استيقظ

فقد كان هدفه الثاني بعد السفر هو إفتتاح شركة خاصة , وبالفعل حقق الهدفين .

لم تتوقف أحلامه عند هذا الحد , بل كان يحلم بأن تكون الشركة ملكية خاصة به , فقد كانت شركته بالإيجار في إحدى المولات التجارية .

وكان يحلم بالزواج من فتاة أحبها منذ سنواتٍ , لكنَّه أحجم عن التقدُّم لخطبتها بسبب أنَّها من أسرة ثرية جداً .

بعد التخطيط وبذل مجهودٍ كبير تحقق له ما أراد , فاشترى مقراً كان مؤجراً كمخزن لإحدى الشركات , وقام بتعديله وتنسيقه ليتناسب مع شركته .

وبعدها تقدَّمَ لخطبة الفتاة التي أرادها زوجةً له ,  ووافقت ووافق أهلها على الزواج .

بعد ذلك تعددت أحلام وطموحات خالد , وتوسَّعت شركته وأنشأ لها فروع , وأصبح من كبار المستوردين للأجهزة الإلكترونية , وقام بتنويع إستثماراته في العديد من الأنشطة الإقتصادية .

اكتشافه بأنه غير سعيد

مرت عشرون عاماً على نجاحات خالد , وفي إحدى الليالي كان يجلس مع أحد أصدقائه الذين جاءواْ لزيارته بعد إجراء عملية قسطرة للقلب .

استيقظ

فخالد مريضٌ بالقلب والسكر والضغط , وبعض الأمراض الأخرى .

تحدث خالد مع صديقه بشكوى وضجر من حياته , فخالد الذي كان شاباً بسيطاً ويعمل أثناء الدراسة لتوفير مصاريف الجامعة وشراء الكتب , أصبح الآن رجل أعمال فاحش الثراء .

ولكنَّه كان يُعاني من الإكتئاب الحاد في حياته , طيلة السنوات العشرين الماضية وهو في مزاجٍ سيئ وقلق وتوتر وحزن .

يقول لصديقه إنَّه ليس سعيداً في حياته , بل إنَّه لم يرى السعادة طيلة عشرون عاماً , ويتعجب من تعاسته رُغم تحقيق العديد من النجاحات في حياته .

عزيزي القارئ :- لقد بدأت المقال بهذه القصة من وحي خيالي لكي تكون أكثر إيضاحاً لأهدافي من هذا المقال .

ولعلَّ أول سؤال جاء في ذهنك بعد قراءة هذه القصة القصيرة هو :- كيف لرجل حقق النجاح والثراء في حياته ويكون تعيساً إلى هذا الحد ؟!!!

ودعني أُجيبك على هذا السؤال وأصدمك بإجابتي وأقول لك :- هذا أمرٌ طبيعيٌ جداً .

لا تنزعج من هذه الإجابة واصبر معي قليلاً واقرأ المقال للنهاية .

هناك عشرات الملايين مثل خالد في هذا العالم , ليس هو فقط , وقد تكون عزيزي القارئ منهم , فليس الأمر مقتصراً على رجال الأعمال فقط , بل القصة للتوضيح فقط .

ودعني أشرح لك القصة لكي تفهم المغزى منها ……..

فخالد مثل أي شاب طموح لديه أهداف وطموحات , وحقق العديد منها , وسأختار هدفه بافتتاح شركة خاصة به لكي أبدأ به …

فخالد حقق هدفه بافتتاح شركة خاصة به , والشركة نجحت وحققت أرباحاً كبيرة , ولكنَّ خالد كان يضغط نفسه من أجل تحقيق الهدف الذي يليه , وهو شراء مقر للشركة بدلاً من الإيجار , وهذا تفكير سليم بالطبع ولكن ……

كيف رفض سعادته بنفسه

استيقظ

خالد لم يسمح لنفسه بالسعادة بتحقيق هدف إفتتاح الشركة ونجاحها , فلقد حقق هدفاً كان بعيد المنال بالنسبة له , فقد احتاج سنواتٍ عديدة من أجل تحقيقه .

وعلى الرُغم من نجاحه إلَّا أنَّه لم ينجح بإشعار ذاته بأنَّه نجح , بل إنَّه كان يشعر بالضيق والقلق والتوتر لأنَّ عليه أن يُنجز هدفه الثاني , دون النظر إلى نجاحه الأول .

فذاته لم ترى النجاح , وهذا خطرٌ كبير , لأنَّ ثقة الإنسان في نفسه تنبع من الرضا الذاتي , وهذا لم يحدث مع خالد , الذي لم يحتفل بنجاحه وأعطى لعقله الباطن إشارات وأوامر بفشله في تحقيق الهدف الثاني .

فبدلاً من أن يسعد ويفرح بشركته الخاصة , كان تعيساً لأنَّ مقر الشركة ليس مِلكاً له .

وتكرر هذا الأمر معه طيلة العشرين عاماً , فكل إنجاز يُحققه يظهر أمامه إنجاز آخر يجب عليه أن يُحققه , وبالتالي تظهر المشاعر السلبية الذاتية بعدم الرضا على نجاحه , وأنَّ عليه أن يتقدَّم أكثر .

هذا الأمر ياعزيزي القارئ هو مايحدث مع عشرات الملايين حول العالم , وهذا ما يُسبب أكثر الأمراض فتكاً بالإنسان , ألا وهو الإكتئاب .

فالكارثة تحدث مع عقلك الباطن , لأنِّ العقل الباطن لا يرى أو يُمنطق الأشياء من حوله , فهو يتلقى أوامر فقط , ويقوم بتنفيذها بدون تفكير .

ففي هذه الحالة يتلقى أوامر غير مباشرة بعدم الرضا على وضعك الحالي , فبالتالي لا تجد سعادة مهما حققت أي إنجاز أو نجاح .

والكارثة الأكبر أنَّ عقلك الباطن سيتغذَّى على فكرة كارثية , ألا وهي أنَّك فاشل .

نعم عزيزي القارئ , إن كنت مثل خالد فستفهم كلامي جيداً , فخالد أصدر أمراً بدون قصد إلى عقله الباطن عند نجاح شركته بأنَّه فاشل , فاشل لأنَّه لم يستطع شراء مقر للشركة .

وعند شراءه للمقر أصدر أمراً لعقله الباطن مرة أخرى بالفشل لأنَّه اكتشف بممارسة التجارة بالسوق بأنَّ هناك شركات عملاقة , وهو يرى نفسه سمكة صغيرة وسط قروشٍ وحيتان .

وعندما أصبح مثلهم وتفوق عليهم , أصدر أمراً آخر بالفشل عندما تعامل مع الشركات الأجنبية في الإستيراد والتصدير .

وهكذا عزيزي القارئ تتوالى على خالد مسيرة الفشل التي لاتتوقف , رُغم أنَّه في الحقيقة شخصاً ناجحاً جداً , والجميع يرى ذلك إلَّا هو .

استيقظ

وهذه هي الكارثة عزيزي القارئ , الإيمان الذاتي , بأن تؤمن بأنَّك فاشل ومُحبط وتُقنع عقلك الباطن بذلك , والسؤال هنا …..

شخص مثل خالد هذا , هل تتوقع منه أي سعادة في حياته ؟!!!

بالطبع لا , وهو اكتشف عدم سعادته مُتأخراً .

فلا تتعجب عندما ترى شخص فاحش الثراء أو ناجحاً في مجالٍ ما وتجده حزيناً أو يتحدَّث معك على أنَّه لا يشعر بالرضا على حاله .

وهنا سأُجيبك على السؤال الذي يدور في ذهنك منذ دقائق وتنتظر الفرصة المناسبة .

ودعني أُخمن إن كان هذا السؤال في ذهنك أم لا …..

أنت تتسائل في نفسك الآن , أليس من الطبيعي أن يقوم أي إنسان بتطوير نفسه للأفضل دائماً ؟!!!

عزيزي القارئ:- إستنتاجك صحيح , وخالد بالفعل لم يُخطئ عندما أراد أن يشتري مقر للشركة , ولم يُخطئ عندما أراد أن يُنافس ويتفوق على الشركات المُنافسة , ولم يُخطئ عندما أراد تطوير نفسه واستثماراته .

ولكن هناك خيط رفيع جداً بين النجاح والفشل , بين السعادة والتعاسة .

خالد لم يُعطي نفسه الفرصة للإحتفال بأي نجاح , لم يشعر بالرضا والسعادة , حتى لو شعر بالرضا لعدة أيام فهذا غير كافٍ على الإطلاق , لأنَّ عقله الباطن مُبرمج على السخط وعدم الرضا .

واستبدال هذه المشاعر التي مر عليها سنوات لا يتم محوها في أيامٍ قليلة .

فيلم the shawshank redemption

دعني أتحدث معك عن فيلم غالباً قد شاهدته لتوضيح الرؤية أكثر , وهو فيلم the shawshank redemption , ففي أحد مشاهد الفيلم كان السجناء يشربون مشروباً بارداً أثناء عملهم , ويقول مورجان فريمان وهو أحد أبطال الفيلم …

استيقظ

《 لقد جلسنا نشرب والشمس تلسع أكتافنا كأننا أحرار , قمنا بطلاء سقف أحد بيوتنا الخاصة , كنَّا كسادة للكون كله 》

هذه المقولة صدرت من سجين في سجنٍ يتم التعامل فيه مع السجناء بلا آدمية , وهو يتحدَّث عن عمله مع بعض السجناء الآخرين في سقف أحد المصانع تحت الشمس .

إنَّهم يبذلون مجهوداً كبيراً وتحت الشمس الحارقة لساعاتٍ طويلة , ومع ذلك يشعر بأنَّه أحد سادة الكون .

وهذا ما أقصده عزيزي القارئ , فما أنت تعيشه الآن قد يكون حلماً مُستحيلاً لعشرات الآلاف من الأشخاص غيرك .

وللأسف نحن لا نعرف قيمة ما هو متاحٌ لدينا إلَّا بفقدانه , فخالد بطل قصتنا يمتلك شركة خاص به , وفي المقابل هناك ملايين الشباب لا يستطيعون الحصول على وظيفة , مجرد وظيفة .

استيقظ

ناهيك عن أنَّه يمتلك شركة , فالتطور مطلوب في الحياة , ويجب أن تسعى نحو الأفضل دائماً .

لكن لا تغفل عمَّا تملكه الآن , فيجب أن تكون سعيداً وتُسعد نفسك بما تملكه الآن .

ويكون هدفك ليس تطوير نجاحك فقط , بل يجب أن يكون عقلك مُبرمجاً على السعادة بنجاحك , ثُمَّ تطوير سعادتك بمزيدٍ من النجاح .

لا طائل من نجاح لا يُحقق لك السعادة أو يعود عليك بالنفع , فما فائدة نجاحك إنْ كان هو مصدر تعاستك وقلقك والعديد من الأمراض .

فالطبيعي أن يكون نجاحك هو مصدر سعادتك , فإن كان غير ذلك ففتش في أفكارك وفي طبيعة نجاحك .

                                                                              أنس النجار 

تابعونا لقراءة العديد من المقالات الملهمة للنجاح في مدونة استيقظ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!