كيفية الإنتصار بالمفاوضات
كيفية الإنتصار بالمفاوضات

إنَّ الحديث عن التنمية البشرية أصبح من ضروريات هذا العصر , نظراً لما نحتاجه لكي نحيا في هذا الصراع القائم في الحياة من أجل النجاح .

وليس هُناك أعظم من سيرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) التي نتعلَّمَ منها أهم أساسيات التنمية البشرية .

فهناك الكثير من المواقف التي تم ذكرها في كتب السيرة النبوية وتاريخ الخلفاء الراشدين , والتي لم يقف الباحثين على دراستها واستخلاص أهم قوانين النجاح منها , رُغم أنَّنا لن نجد مادة علمية مليئة بالنجاحات والتدريب على النجاح أكثر من السيرة النبوية .

وفي هذا المقال سوف نتحدث عن موقف معلوم للكثيرين في السيرة النبوية , لكنَّنا سنقف عند دراسته وإستخلاص أهم عناصر التنمية البشرية منه .

حوار عتبة مع النبي

وهذا الموقف لسيرة النبي وحرب المشركين له في بداية دعوته الشريفة .

حيث إجتمع المشركون يوماً فقالو :- أنظرو أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر , فليأت هذا الرجل الذي فرَّق جماعتنا وشتَّت أمرنا , وعاب ديننا , فليُكلمه , ولينظر ماذا يرد عليه ؟!!

فقالو :- لا نعلم أحداً غير عتبة ابن ربيعة , فقالو :- أنت لها يا أبا الوليد .

فأتاه عتبة فقال :- يا محمد أنت خيرٌ أم عبد المطلب ؟!!!

فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يرد عليه .

ثُمَّ واصل عتبه قوله :- فإن كنت تزعم أنَّ هؤلاء خيرٌ منك , فقد عبدو الآلهة التي عِبت .

وإن كنت تزعم أنك خير منهم , فتكلَّم حتى نسمع قولك , فإنَّا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك , فرَّقت جماعتنا

وشتَّتَ أمرنا , وعِبتَ ديننا , وفضحت أمرنا في العرب حتى لقد طار فيهم :- إنَّ في قريش ساحراً , وإن في قريش كاهناً .

والله ماننتظر إلَّا مثل صيحة الحُبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى .

أيها الرجل إن كان إنَّما بك الحاجة , جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنى قريش رجلاً , وإن كان بك الباه ( أي الزواج ) فاختر أي نساء قريش شئت , فلنزوجنَّك عشراً .

فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ):- أفرغت ؟! …. قال عتبة :- نعم  .

فقال رسول الله {حم ۝ تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ۝ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ۝ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ [سورة فصلت:1-5].حتى وصل إلى قوله تعالى ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾وللقصة والحوار بقية .

تحليل الحوار

لكنَّني سأتوقف هنا للحديث عن بعض النقاط الهامة التي نود ذكرها ….

أولاً  / أسلوب تعامل المشركين مع النبي (صلى الله عليه وسلم ) في هذا الموقف عندما قالو:- أنظرو أعلمكم بالسحر …….إلى أن قالو ولينظر ماذا يرد عليه ؟!!

ففي هذا الأمر ذكاء من المشركين , حيث أرادو دراسة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن كثب .

وكانت هذه البعثة لدراسة حقيقة النبي , ودراسة أفكاره ومواقفه .

فمن هذه المباحثات التي سيجريها عتبة مع النبي سيعرفون كيف يتعاملون معه , وكيف يضغطون عليه , فكانت هذه البعثة إستكشافية لدراسة حقيقة النبي وأفكاره وماذا سيفعلون معه في قابل الأيام  .

ثانياً /قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لعتبة :- أفرغت ؟!!

فالأمر ليس مجرد إحترامٍ لحديث الآخر , وإنَّما كان الرسول أذكى وأعلم منه .

فكان يُريد أن يُنهي حواره ويُخرج كل ما في جُعبته , لكي يدرس جميع أفكاره وكلامه .

وهذا درس لنا في المفاوضات بأن لا نتعصب أو ندخل بمبارزة كلامية , بل يجب التأني لدراسة ومعرفة خطط ونوايا الطرف الثاني .

وأن نتعلَّم الصمت حين يتحدث الآخرين , وهذا ليس من باب آداب الحديث وحسب , وإنَّما لفهم أبعاد القضية جيداً قبل الحديث  .

ثالثاً  / 

حاول عتبة بذكاءه أن يجبر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بالدخول بحرب الأفضلية بالأنساب حين قال للرسول:- أنت خير أم عبد المطلب .

ثم أراد أن يستفز النبي بقوله :- إن كنت ترى نفسك خيراً منهم  ….. ثم قال إن كنت تراهم خيرا منك …..

وهذه أمورٌ لو لم يفطن لها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لكان هذا نجاحاً لعتبة , وجعل عتبة يقود الحوار ويتحكم في مصير المفاوضات .

وقد اختار عتبة أمراً حساسا جداً عند العرب , وهو التفاضل بالأنساب والأشخاص .

ولكنَّ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان صاحب قضية هامة , فلم يدخل في هذه المفاضلات التي تُثنيه عن هدفه الحقيقي , وتعامل مع الأمر وكأنَّه لم يسمع شيئاً .

رابعاً / 

عدم التعامل مع العروض التي قدَّمها عتبة للنبي بأهمية أو غضب .

فقد عرض عليه عتبة النساء والمال والسيادة , وهذه عروض قد تغوي الكثيرين .

ولكنَّ قضية النبي (صلى الله عليه وسلم ) كانت أعظم من هذه العروض , ثُمَّ انه لم يغضب ويأخذ الأمر بإهانة .

فهذا يُعتبر رشوة للنبي حتى يبتعد عن قضيته , ولكنَّه آثر الإبتعاد عن هذه القضية التي ستُهدر وقته وهدفه .

خامساً /

جواب النبي الحاسم والقاتل على عتبة لم يكن بالرد على كلماته وإفتراءاته , فلم يرد على الأفضلية ولم يرد على إتهامه بأنه شؤم على قريش أو كونه ساحر أو غيرها من الإتهامات  …..

بل دخل مباشرة في صلب الموضوع , وكما يقال :- أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم .

فقد طبقها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تماماً , حيث ترك الدفاع عن نفسه واكتفى بالهجوم المباغت على عتبة بآيات كريمة هي أفضل رد عليه .

وجعلته يقول لقريش حين عاد إليهم :- خلو بينكم وبين هذا الرجل , فإنه سيكون لحديثه نبأ وشأن عظيم  .

انس النجار

   المصادر 

¤البداية والنهاية لابن كثير ¤

¤ السيرة النبوية وقائع وتحليل أحداث للدكتور علي الصلابي ¤

تابعونا للعديد من المقالات والقصص الملهمة للنجاح في مدونة إستيقظ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!