الكثير من الناس يعيشون في سجن الماضي , ويرفضون الحرية من هذا السجن .
وبالطبع لا أقصد أنَّهم يتعمدون ويُريدون البقاء في هذا السجن القاتل , بل إنَّ المُعتقلين في هذا السجن لا يُدركون حقيقة كونهم سُجناء , لأنَّ سجن الماضي مقره الرئيسي في العقل .
فعقلك يوجد به هذا السجن القاتل , وأرجو أن لاتكون أحد هؤلاء المساجين عزيزي القارئ .
ولكن لا تتسرع وتُجيبني بأنَّك لست أحد هؤلاء المساجين , إقرأ المقال للنهاية جيداً .
إنجازات الماضي
الكثير من الناس يعيشون على ذكريات إنجازاتهم السابقة التي حققوها , وهذا ليس خطأ .
الخطأ في هذا هو أن نسجن إمكانياتنا وذاتنا في هذه الذكريات , فمثلاً طالب في السنة الأولى من المرحلة الثانوية قد حاز على أعلى الدرجات في جميع المواد , وكان الأول على جميع الطلاب في المدرسة .
فهذا يُعد إنجازاً كبيراً يستحق التقدير والإعجاب , ثم يأتي العام الثاني وهو الطالب الأول والأعلى تفوقاً على جميع زملاءه في السنة الدراسية , ويحيا على أنغام التقدير والإعجاب من الجميع , مايدفعه للتكاسل قليلاً عن دروسه ومذاكرته , فيقل مجهوده عن السنة الأولى , لأنَّه لا يزال يحيا داخل مُتعة تفوقه في السنة الأولى .
وعند نهاية العام يتفاجأ الطالب بأنَّه ليس الأول , بل لم يحصل على ترتيب من ضمن العشرة الأوائل .
وعلى العكس قد نجد طالب لم يكن من ضمن العشرة الأوائل في السنة الأولى قد اجتهد كثيراً لكي يتفوق على الطالب الأول , لِما رأى من تقدير وإعجاب الجميع به .
فيحصل هو على المركز الأول , في حين أن الأول في السنة الأولى لم يتم تقييمه من ضمن العشرة الأوائل .
إنكسارات الماضي
موظف( ١ ) قد تعرض لظلم من مُديره في العمل , حيثُ تآمر مع أحد الموظفين( ٢ ) الأقرباء له لسرقة فكرة موظف آخر ( ١ ) .
هذا الموظف المظلوم ( ١ ) حاول إثبات أنَّ هذه فكرته , لكن دون فائدة , فلم يُقدم أي دليل على كون هذه الفكرة فكرته , فقد كان الموظف ( ١ ) يحكي للموظف ( ٢ ) عن فكرته أثناء سيرهم معاً لتنفيذ أحد المهام الموكلة إليهما , لكنَّ الموظف ( ٢ ) أعجبته الفكرة , فقرر على الفور عرضها على إدارة الشركة , وربح منها أموالاً ومنصباً في الشركة .
قصتان ذكرتهما لك عزيزي القارئ لتوضيح حقيقة هذا السجن …..
فالقصة الأولى للطالب المتفوق , تدل على التراخي والإستسلام لنشوة التفوق , فكثير من الناس يفرحون عندما يُحققون إنجازاً هاماً في حياتهم , وهذا حقهم …
لكن المشكلة هي أنَّ هذا الطالب تجاهل قواعد النجاح في الحياة , وأهم قاعدة في النجاح هي الإستمرارية .
فالنجاح في أمر ما يجب أن يكون مرحلة , لا أن يكون غاية , فكان على الطالب أن ينتصر على هوى نفسه ويواصل تفوقه للنهاية , فكان عليه أن يكون الأول في السنة الثانية , ثم الأول في السنة الثالثة , وعند دخوله لكلية من كليات القمم , ولتكن كلية الطب , فعليه أن لا يتوقف .
لأنَّ الحياة لا ترحم أحداً , والنجاح يجب أن يستمر , فما فائدة كونك طبيباً فاشلاً , هل هذا نجاح , هل مجرد كونك طبيباً فهذا يُعني نجاحك؟!
الحقيقة ليست هكذا , فالحفاظ على النجاح هو النجاح الحقيقي , لأنَّ الصعب لا يكون في نجاحك , وإنما في الحفاظ عليه .
فالطالب لم يتفوق بعدها وتخرج من كلية متواضعة . بل ظلِّ سجيناً لتفوقه في هذا العام طيلة حياته .
فما أهمية أن يحكي ذكريات تفوقه في هذا العام ؟!!!
لا شيئ ….. البعض يبقى سجيناً في سجن الماضي ويظل يتذكر إنجازاً قرر أن لايُكمله , وتوقف عند أول محطة , وهذا ليس كافٍ
وأمَّا عن القصة الثانية
فالموظف الأول أصبح محبطاً واستسلم لسوء الحياة وظلمها , فقد أصبحت نظرته للحياة سيئة , وبدلاً من النهوض مرة أخرى وتعويض هذا الظلم والخسارة , إكتفى بسجن نفسه في مرارة هذا الماضي الأليم .
وكلَّما نصحه أحد فإنَّ مرارة الماضي الأليم هي التي تُسيطر عليه , وجعلته يتوقف عند مرحلة محددة , ويقول لنفسه لماذا أجتهد في هذه الحياة الظالمة والقاسية ؟!!!
وكان أولى به أن يسأل نفسه …لماذا ماطلت بتقديم فكرتي في حين أن الذي سرقها منَّي لم يضيع وقته , وعرضها على الإدارة على الفور ؟!!!
ولو أنَّه استعاد أفكاره وأصرَّ على النجاح لما وصل لهذه الحال , لكنَّه لا ينفك يتحدث مع الجميع بأنَّ الموظف ( ٢ ) قد نال هذا المنصب بفضل فكرته , وزادت أرباحه بسبب فكرته , وكأنَّ الحياة كلها توقفت عند هذه الفكرة فقط .
لكنَّه ظل يحيا في سجن ماضيه ويتحسر عليه دون أن يبحث عن أفكار أخرى .
فلو أنَّه قرر أن يتفوق على نفسه ويهرب من هذا السجن , فلربما ابتكر فكرة أفضل بكثير من الفكرة المسروقة , وعندها سيتفوق على الموظف الآخر وعلى كل الموظفين , فما دام استطاع أن يؤسس فكرة ناجحة , فسوف يؤسس أفكاراً كثيرة وأكثر نجاحاً , وعندها سيعلم الجميع بأنَّه صاحب الفكرة المسروقة .
الخاتمة
لذلك أنصحك عزيزي القارئ أن تجعل من الماضي بداية لتُكمل بها مسيرة النجاح , واعلم بأنَّ مسيرة النجاح هذه يجب أن لا تتوقف إلَّا بوفاتك , فإذا توقفت عن النجاح فسوف تعود للخلف أكثر , فإنَّ الحياة مليئة بالصراعات والتنافسات العديدة , فإذا توقفت فسوف يمر اليوم الواحد عنك بعام , لزيادة التنافس .
ولا تترك الماضي وتعزله تماماً عن حياتك , وإنَّما تذكره جيداً لتتعلَّم منه وتجعله لك دافعاً , فكن ذكياً واجعل من الماضي إنطلاقة لك للأمام بدلاً من أن يكون سجناً لك في الحياة .
انس النجار
تابعونا في العديد من المقالات والقصص الملهمة للنجاح في مدونة إستيقظ
شكرا على هذه معلومات