يعتقد بعض الناس أنَّ الصيام له تأثير سلبي على عمل الدماغ والتركيز وعلى الصحة العامة .
ولكنَّ الحقيقة أنَّ الصيام معجزة وهبة من الله تعالى لصحة الإنسان العقلية والنفسية والجسدية .
فالحديث عن أنَّ الصيام يُضعف الجسم والتركيز ما هو إلَّا خُرافة لا صحة لها على الإطلاق , إلَّا من يُعانون من مشاكل صحية والصيام يُزيد من حالتهم سوءاً ولديهم الرخصة للإفطار .
وقد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة خطأ هذه المُعتقدات , وجميعها أثبتت صحة حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين قال { صومو تصِحو }
فللصيام منافع صحية عديدة , وسوف نتحدث في هذا المقال عن المنافع التي يستفيد منها الدماغ من الصيام .
فالصيام الصحيح يجعل الحواس في حالة من التأهب , ويزيد من عمل الدماغ والتركيز , فهو يعمل على تحفيز إنتاج خلايا جديدة في الدماغ , تُعرف بعملية إنتاج الخلايا العصبية .
فالصيام يعمل على التخلص من السموم الموجودة في الخلايا والجزئيات التالفة بالدماغ , والتي تؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض العصبية المُختلفة .
وعلى عكس ما هو شائع عند الكثير بأنَّ الصيام يعمل على قلة التركيز وعدم القدرة على التعلُّم بشكل سليم , فإنَّ النشاط العقلي يزداد عند الشعور بالجوع ويقل عند الشعور بالشبع , لذلك فإنَّ الرسول( صلى الله عليه وسلم ) أمرنا بان نجعل ثلث المعدة للطعام وثلث للماء وثلث للتنفس وذلك في الحديث الشريف .
مارواه الترمزي في صحيحه , عن مقدام بن معدي كرب قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول { ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن , حسب الآدمي لُقيمات يُقمن صلبه , فإن غلبت الآدمي نفسه , فثلثٌ لطعامه , وثلثٌ لشرابه , وثلثٌ للنفس }
الجلوكوز
الدماغ يستهلك قدراً كبيراً من طاقة الجسم , والجلوكوز هو المصدر الأساسي لهذه الطاقة , والدماغ تستهلك 20% من الطاقة المُشتقة من الجلوكوز , وهو المصدر الرئيسي لغذاء المخ .
حيث أنَّ كل 100 جرام من أنسجة الدماغ تستهلك مايُقارب 5,6 مليغرام من الجلوكوز خلال الدقيقة الواحدة .
والسؤال هنا …. كيف يُزيد الصيام من مُستوى الجلوكوز في الدماغ ؟!!
إنَّ مدة الصيام تتراوح ما بين 12-16 ساعة , يقع جزء منها في فترة إمتصاص الطعام من خلال عملية الهضم , وهي حوالي 5 ساعات بعد تناول الطعام , ويقع معظم الصيام في فترة ما بعد الإمتصاص والتي تتراوح من 7-14 ساعة .
وفي فترة ما بعد الإمتصاص تَنشط جميع آليات الإمتصاص والتمثيل الغذائي بتوازن .
فتنشأ آلية تعمل على تحليل الجليكوجين وأكسدة الدهون وتحللها , وتحلل البروتين , فينتج من هذه العمليات تكوين جلوكوز جديد .
فيعتمد المخ وخلايا الدم الحمراء والجهاز العصبي على الجلوكوز للحصول منه على الطاقه , وهذا إثبات يؤكد تصحيح المفهوم الخاطئ عن أنَّ الصوم يؤثر سلباً على القدرة العقلية .
فكثرة الطعام تستدعي بالضرورة الإكثار من سريان الدم إلى المعدة والأمعاء من أجل هضم الطعام الكثير بالمعدة , فبالتالي سيقل تدفق الدم إلى الدماغ , مما يؤدي إلى قصور عمل الدماغ , مما يُصيب صاحبه ببلادة الفهم والإدراك .
وفي هذا كانت تقول العرب قديماً ( نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع , وإذا شبعنا لا نأكل )
البروتين BDNF
ومن المنافع الصحية للعقل من الصيام زيادة بروتين الدماغ والذي يُرمز له علمياً [ BDNF ] وهو عامل التغذية العصبية المشتقة من الدماغ .
وهذا البروتين يزداد بالصيام بنسبة 400% وهو يعمل على مقاومة عملية الأكسدة في الجسم الناتج عن الأكل المُتكرر , ويعمل نمو خلايا جديدة في المخ , مما يُساهم في تنشيط الدماغ , ومُحاربة الشيخوخة وألزهايمر .
والصيام يعمل أيضاً على توازن نسبة الأنسولين في الجسم , فكلَّما زاد تناول الطعام بشكل متكرر , إرتفع الأنسولين الذي يُزيد من الضرر على الدماغ ويُضعف الذاكرة بشكلٍ تدريجي , وهذا ما يُعجِّل بمرض ألزهايمر , أعاذنا الله وإياكم .
زيادة الذكاء
بحسب الدراسات العلمية فإنَّ الصيام يُزيد من ذكاء الفرد , حيث يعمل على زيادة نسبة النيوروترفينات في الجسم .
والنيوروترفينات هي بروتينات تعمل على تغذية الأعصاب وتُحافظ على سلامتها , كما أنَّه هام لنمو وتطور وظائف الأعصاب , وهو ما يؤدي إلى تحسين أداء المخ وكافة أعضاء الجسم .
الزهايمر والصيام
من بعض أسباب حدوث ألزهايمر أنَّه ينتج عن تراكم أنواع مختلفة من البروتينات مثل [ لويحات الأميلود ] والشبكة العصبية .
ويعتقد الباحثون أنَّ البروتينات الغير طبيعبة تُدمر شبكة الإتصال بين الذاكرة ومناطق الإدراك في الدماغ .
ولكن كيف يعمل الصيام على مُحاربة ألزهايمر ؟!!!
أظهرت العديد من الأبحاث العلمية أنَّ الصيام يُقلل من تدهور الخلايا العصبية التي تنتج من التقدم في العمر .
وفي دراسة أُجريَتْ على 50 شخصاً من المُسنين , أظهرت نتائج الصيام عليهم تحسناً في إختبارات الذاكرة .
وأثبتت هذه الأبحاث أنَّ هناك علاقة عكسية بين مستوى الأنسولين والذاكرة , فكلَّما انخفض مستوى الأنسولين زاد التحسن في الذاكرة تدريجياً .
الدهون وعمل الدماغ
يوجد إرتباط بين زيادة الدهون بالجسم والقدرات العقلية , حيث اكتشف الباحثون أنَّ زيادة الدهون في الجسم تؤدي إلى إنخفاض تدفق الدم إلى الدماغ , وهو مايؤثر على على عمل الدماغ ولا تجعله يعمل بأفضل حالاته .
والصيام يعمل على حرق هذه الدهون , ويوفر الطريقة الأفضل لتقليل الأنسولين , وتقليل السعرات الحرارية , وبالتالي تحسين وظائف الدماغ .
الصيام والبشرة
كما أنَّ الصيام يعمل على تجديد خلايا البشرة وتقليل أعراض التقدم في السن , من خلال الإقلال من التجاعيد التي تظهر في الوجه .
وقد أثبتت الأبحاث بأنَّ قلة الطعام تُساهم في نضارة بشرة الوجه وإسباغ الشباب والحيوية فيه , فتجد الصيام يُظهرك بسنٍ اقل من سنك الحقيقي , وذلك لنشاط تجديد خلايا بشرة الوجه .
وفي الختام ننوه بأنَّنا جميعاً عباداً لله تعالى , مأمورين بطاعة الله ورسوله أيما كان هذا الأمر والتكليف .
نُطيع الله ورسوله حتى لو لم نعلم ما هي الحكمة من هذا الأمر أو التكليف .
ولكن لا ضرر من البحث عن المنافع , وإذا قادنا عقلنا وعلمنا إلى غير منفعة من هذا الأمر أو التكليف , فإنَّ طاعة الله ورسوله واجبة .
ونحن مُقبلون على شهر رمضان الكريم , أسأل الله أن يهله علينا بكل خير وبركة ورزق لنا ولكم جميعاً وللأمة العربية والإسلامية .
انس النجار
تابعونا للمزيد من المقالات والقصص المُلهمة للنحاح في مدونة استيقظ